إنه الثّـامن من مارس/آذار، استيقظت سيّدةٌ أربعينيةٌ في الثامنة والنصف صباحاً، أخذت حمّاماً ساخناً، ثم ارتدت قميصاً ضيّقاً أبيض وفوقه سترة أنيقة سوداء، مع تَنورةٍ قصيرةٍ وكعبٍ عالٍ من العلامات التّجارية الفاخرة.
بعد ذلك، جلست أمام المرآة، فصفّفت شعرها بلطفٍ وطمست معالم وجهها بمسحوقٍ للتجميل، ووضعت كذلك حُمرةً على الشّفاه، ثم بخّت عطراً "باريسياً" حول عنقها، فبدت السيّدةُ في مظهرٍ أنيقٍ ولافت.
نزلت السّيدةُ إلى الطابق السّفلي، ودخلت إلى المطبخ؛ حيث تُوجد طفلة صغيرة لم تتجاوز بعد ربيعها الخامس عشر، تعمل خادمة لدى هذه السّيدة، إذ تظهر بوجهٍ شاحبٍ وهالات سوداء تحيط بعينيها الصّغيرتين، كأنها تُعاني قلة النّوم.
جلست السيّدة وتناولت وجبة الفطور، ثم شرعت، بصوتٍ عالٍ، تُملي على الطّفلة الصغيرة قائمة الأشغال المنزلية الشّاقة، التي يجب عليها القيام بها خلال اليوم، والطفلة تسمعُ لها بخوفٍ وتُومئ برأسها بخجل.
خرجت السّيدة قائلة: "افعلي ما أمرتك به، فأنا ذاهبة للاحتفال باليوم العالمي للمرأة"، فركبت سيارتها الفارهة، واتّجهت صوب ساحةٍ مشهورةٍ بمدينة الرباط؛ حيث تجتمعُ عشرات النّساء، مُعظمهّن من طبقتها الاجتماعية.
وبعد وصولها بدقائق، أخرجت من صندوقِ سيّارتها يافطةً مكتوباً عليها عبارة "أنصفوا النّساء". أيُّ نفاقٍ هذا؟ وأي عيدٍ هذا الذي يحتفلن به؟ وممّن تنتظرُ هذه السيّدة الإنصافَ، إذا لم تستطِع، هي نفسها، أن تُنصِف واحدة من بني جنسها ولم ترأف بها؟
أيُّ عيدٍ هذا؟ وكل سنة يتزايد عدد الخادمات القاصرات في البيوت المغربية؛ حيث يتعرضن لأبشع أشكال الاعتداء والعنف بوحشية كبيرة من لدن مشغليهن أو مشغلاتهن، ومنهنّ من ودّعت الحياة من فرطِ التعذيب.
ما ذنب طفلات تتراوح أعمارهن بين 8 و15 سنة، يدفعهنّ آباؤُهن للاشتغال في منازل أُسرٍ ثريةٍ أو ميسورةٍ 12 ساعة كاملة في اليوم، من أجل تحصيل أجورٍ زهيدة نهاية كل شهر؟!
وما ذنب الطّفلات اللّواتي انتهت طُفولتهن قبل الأوان، وزُجّ بهن قسراً في شباك رجال يكبرنهن سناًّ، بل يكونون في سن آبائهن في بعض الأحيان، دون مراعاة الآثار النفسية والاجتماعية التي تترتب عن ذلك، في حين أنّ مكانهن الأصلي والطبيعي ليس العمل أو الزّواج، بل المدرسة، أسوة بأمثالهن من الأطفال في العالم؟!
أيُّ عيدٍ هذا الذي يُحتفل به في 8 مارس/آذار، ونحن لا نزال نسمع عن نساءٍ يضعن مواليدهنّ على ممرّات وأمام أبواب المستشفيات العمومية، حيث إن هذه الأخيرة ترفض استقبالهن، ويكفي القيام بزيارة واحدة لأحد أقسام الولادة في جل المدن المغربية، للوقوف على واقعها المزري، إذ لا تتوفر على أبسط التّجهيزات والأدوات الطبية الضرورية للولادة؟!
أيُّ عيدٍ هذا؟ والنساء ضقن ذرعاً بالتّحرش الذي يتعرّضن له في مقرّات العمل أو في الفضاءات العمومية، سواء في الشوارع أو وسائل النقل؛ إذ أصبح التّحرش مشكلةً مؤرقةً وتحدياً يومياً لدى الآلاف من النساء المغربيات، ممّا يُسبب لهن أضراراً نفسيةً واجتماعية، في غياب قانونٍ فعالٍ يحميهن ويُنصفهن.
أيُّ عيدٍ هذا؟ وثمّة نساء في مغربٍ منسي، يعشن خارج هذا القرن، ويُعانين الأمرّين، تهميش واضطهاد ونسيان من جهة، وصعوبة المناخ والتضاريس من جهة أخرى، نساءٌ أرهقت أكوامُ الحطب ظهورهن، ونقشت على أكفهن النّاعمة النّدوب والجروح، نساءٌ مكافحات، لا يعرفن رياضةً سوى الرّكض وراء الرغيف من أجل إعانة أسرهن، ولا أحد يَسمعُ شكواهن، بل يعشن الحرمان والمعاناة في صمت حتى إشعار آخر، ولا يعرفن شيئاً عن اليوم العالمي للمرأة.
إنّنا لن نحتفل بــ8 مارس/آذار ونعُدّه عيداً للنّساء، ولكن سنحتفلُ باليوم الذي سنَعترفُ فيه بما تُقدّمه المرأة المغربية والعربية والأمازيغية، فضلاً عن تقديرها واحترامها من خلال صونِ كرامتها وتمكينها من حقوقها الكاملة، وسنحتفلُ أيضاً حين تُنصف السّيدة الطفلة الصغيرة وترأف بها، وعلى أملِ تحقيق كل ذلك أقول: "كل عـام أنتُن سّيداتي بألف خيـر".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.