"تدوينة: ياسمين سعد"
"إحنا بتوع الأوسكار".. لا يمكنك أن تتخيل مدى عشقنا لمتابعة الأوسكار إلا إذا قارنت لك حفل الأوسكار بمباراة مصر في تصفيات كأس العالم، التي من الممكن أن تسافر من أجلها إلى محافظة أخرى، فقط لتنتظر أمام بوابة الاستاد، وتشم رائحة النجيلة وتشعر بأنك داخل الملعب، تركل الكرة مع اللاعبين، وعندما تسكن الكرة الشباك، وتصرخ جووول، تشعر بفرحة غامرة؛ لأنك تعطي لنفسك الحق بالفرحة كأنك من أحرز الجول، لإخلاصك في المتابعة.
هذا بالضبط ما نشعر به نحن أيضاً، فأنا حصلت على أوسكار أفضل ممثلة في حفل الأوسكار عندما حصلت Frances McDormand عليها، عن فيلمها Three Billboards Outside Ebbing, Missouri، فعندما شاهدت الفيلم، وأعجبت بجميع تفاصيله، وشاهدت بعدها مجموعة من الأفلام المتنوعة المرشّحة للأوسكار، أدركت أنها قدمت أداء لا مثيل له، وبالفعل لم يخذلني الأوسكار، وحصلت "Frances" على الجائزة بمباركة من الجميع، الجمهور، الزملاء، والنقاد.
لم يخذلنا الأوسكار هذا العام، كما فعل في العام الماضي، ولا أقصد بالخذلان غلطة الأوسكار الشهيرة، عندما أعلن الفنان warren beatty فوز فيلم Lala land بالأوسكار بالخطأ، بدلاً من الإعلان عن الفيلم الفائز بالفعل وهو MoonLight، وكأن "warren" أراد أن يقول بخطئه نيابة عن كل متابع للأوسكار في العالم: "انتو مجانين؟"، لابد أن يكسب Lala Land الأوسكار، بدلاً من MoonLight.
شفى هذا الخطأ غليلنا؛ لأنه سيكون بمثابة تذكرة على مر التاريخ بما يسمى "سياسة الأوسكار"، فلا شيء يخلو من السياسة، ولا شيء يخلو من المجاملات، حتى حفل الأوسكار، الذي قرر أن يعطي أفضل جائزة لديه، جائزة أحسن فيلم لـ Moonlight؛ لأن صنّاعه من أصحاب البشرة السمراء، بالرغم من الانتقادات السيئة ومستوى الفيلم المتوسط.
كل هذا ليتبرأ الأوسكار من الاتهام الذي واجهه قبل الحفل، "Oscar is so white"، وهو أنه لا يعطي الجوائز إلا لأصحاب البشرة البيضاء فقط، فبفوز فيلم Moonlight بجائزة أفضل فيلم، يكون قد أثبت الأوسكار، أنه يعطي الجوائز لأصحاب البشرة السمراء أيضاً.
شاهدنا الأوسكار هذا العام بترقب، فلا نريده أن يخذلنا مثلما فعل العام الماضي، خاصة أننا رأينا السياسة والمجاملات قد تدخلت في الترشيحات، عندما شاهدنا الأوسكار يحاول إدراج السيدات داخل الترشيحات، حتى يتبرأ من الاتهامات التي تقول إن الأوسكار يعطي جوائزه للرجال فقط، فرأينا ترشيح Greta Gerwig كأفضل مخرجة عن فيلمها Ladybird، وترشيح Rachel Morrison كأفضل مصورة عن فيلم Mudbound، وانتشرت الأخبار فور إعلان الترشح عن هاتين السيدتين.. Greta وRachel صنعتا التاريخ.
استاء عدد من متابعي الأوسكار من هذه الترشيحات، ليس لأن هاتين السيدتين لا تستحقان الجائزة، ولكن لمعرفة الجميع بسياسات الأوسكار، فعلى مدار السنوات، تألقت العديد من السيدات في جميع مجالات صناعة السينما، ولم تترشح أي منهن للجوائز، ولكن تصادف أن تترشح السيدات بعد الحملة التي انتشرت ضد عدم ترشيحهن للأوسكار، خاصة بعد حملة Me too، وارتفاع صوت السيدات عالياً.. يا لها من مصادفة!
لم يخذلنا الأوسكار؛ لأنه لم يراع السياسات والمجاملات عندما حان الوقت لتوزيع الجوائز، فقد حصل على جائزة أفضل مصور سينمائي Roger Deakins عن فيلم Blade Runner 2049، والذي ترشح للأوسكار 14 مرة ، ولم يحصل على الجائزة سوى هذا العام، فالجميع كان منتظراً "انتصار Roger"، وقد هلل الجميع عندما تسلم Roger جائزته أخيراً؛ لأنه فوز مستحق لم تتدخل فيه المجاملات.
كسبت Greta شرف الترشح، ولكن كسب Guillermo del Toro جائزة الأوسكار كأفضل مخرج عن فيلم The Shape of Water، وهذه الفئة كان اسم الفائز فيها متوقعاً؛ لأن Guillermo كان الحصان الأسود لهذا العام، فمن المعروف أن من يحصل على جميع الجوائز في موسم الجوائز، خاصة جائزتي SAG Awards، وGolden Globe، بالتأكيد سيحصل على جائزة الأوسكار، وهو ما حدث بالفعل، وكان فوزاً مستحقاً.
لم يخذلنا الأوسكار أيضاً في فئتي أفضل ممثلة مساعدة، وأفضل ممثل مساعد، فهذه الفئات التي تتضمن أسماء مشهورة، تحظى بانتباه الجميع، الجمهور، النقاد، والفنانين أنفسهم، ولم يختلف شخص واحد على فوز Allison Janney عن فيلم I, Tonya، وفوز Sam Rockwell عن فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri بجوائز الأوسكار، وهو ما حدث بالفعل.
"بحبك يا لبنان، يا وطني بحبك"، كان صوت فيروز يدوّي هذا العام على السجادة الحمراء للأوسكار، فصوت فيروز مرتبط بأي شيء من رائحة لبنان، بمجرد أن تستمع إلى اللهجة اللبنانية، يرن صوت فيروز في أذنك تلقائياً، وهذا ما حدث عندما شاهدت فريق عمل الفيلم اللبناني The Insult، يسير على السجادة الحمراء، فقد توحد جميع العرب لتشجيع لبنان، فهذه المناسبة أيضاً مثل مناسبات كأس العالم، عندما يتأهل فريق عربي، نلتف جميعاً حوله، ونشعر بأنه يمثلنا، ونتمنى له الفوز، وهذا ما حدث مع الترشيح التاريخي للبنان في الأوسكار.
عندما صعدت الفنانة Rita Moreno على المسرح، وفتحت الظرف المغلق للإعلان عن اسم الفيلم بالفائز بالأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، تسارعت دقات القلوب، ولم يسعنا سوى قول "يا رب لبنان"، ولكن للأسف فاز فيلم A Fantastic Woman بالجائزة، وإذا نظرنا لهذه الفئة من وجهة نظر الأوسكار، سنجد أن فيلم The Insult لم يكن له فرصة في الفوز مقابل A Fantastic Woman الذي يدور حول حياة سيدة متحوّلة جنسياً، فإدارة الأوسكار مهتمة بهذه الموضوعات حالياً، وتريد أن تثبت للجميع بأنها مع الحرية الجنسية، فإذا كان فيلم A Fantastic Woman سيئ المستوى أو من أفضل الأفلام، كانت فرصته هي الأكبر للفوز في جميع الأحوال، ولكن لا يهم من الفائز، فبمجرد الترشيح، صنعت لبنان التاريخ في مجال صناعة السينما بالفعل.
بقية الجوائز كان لا خلاف عليها، فمن شاهد الأفلام المرشّحة للأوسكار، سيعلم جيداً أن جوائز مثل، تصميم الأزياء، المونتاج، الموسيقى التصويرية، والماكياج وغيرها من جوائز الفنانين العاملين وراء الكاميرا، كانت مستحقة، فطوال ثلاث ساعات تابعنا خلالها حفل الأوسكار، كنّا نصفق للجميع لعلمنا بأن المجاملات تنحت جانباً.
فئة أفضل ممثل وأفضل فيلم، دائماً تنتظران لنهاية الحفل؛ لأن الجميع يترقب هاتين الفئتين بالذات، ولكن كان هناك توقع دائم بمن سيفوز فيهما، وقد قابلت الجائزتان أهواء الجميع، وحدث ما كنا نتوقعه.
"جهّزي يا والدتي الشاي، سأحضر الأوسكار إلى المنزل"، هذا ما قاله الممثل Gary Oldman بعد فوزه بجائزة أفضل ممثل عن فيلم Darkest Hour، والذي كان يشجّعه الجميع، ويتمنى له الفوز، بسبب تجسيده لدور "تشرشل" ببراعة، ولكن فوز من نشجعه بالجائزة، لم يمنعنا من التساؤل: لماذا يترشح Denzel Washington لأوسكار أفضل ممثل كل عام، بالرغم من تقديمه لأفلام لا يشاهدها أحد، ولا تتمتع بالعناصر الفنية الفذّة، من شاهد منّا فيلم Roman J. Israel, Esq؟.. لو كانت الأوسكار جائزة مصرية، كنت اعتبرت أن إدارة الجائزة يعتبرون تواجد Denzel Washington بينهم "بركة".
الفائز بأفضل فيلم للأفلام المتحركة Coco لم يكن عليه خلاف من أحد، ولكن الجائزة الكبرى، "كريمة الجوائز"، أفضل فيلم، كان عليها خلاف بسيط، أو انقسام بين فيلمين Three Billboards Outside Ebbing, Missouri، الذي كنت أتمنى له الفوز شخصياً، وفيلم The Shape of Water الذي حصل على جائزة الأوسكار كأفضل فيلم بالفعل.
لم يتفق الجميع على فانتازيا The Shape of Water الرومانسية الحالمة، التي تعيد بشكل ما فكرة الحب بين الجميلة والوحش، بالرغم من ترشح الفيلم لجائزة الأوسكار في 13 فئة، فظل البعض ينتقد الفيلم حتى بعد فوزه بالجائزة، ولكن من المؤكد أن فوز الفيلم كان مستحقاً؛ لأنه يقدم حالة مختلفة، الفيلم المختلف عمّا نراه يومياً، لا يجعل منه فيلماً سيئاً، بل يجعله فيلماً مميزاً.
"أهدي هذا الفيلم إلى الأطفال الذين كنت مثلهم أحلم بنهاية سعيدة للأفلام، لقد كبرت في المكسيك وأنا أشاهد الأفلام، ولم أتصور أن هذا من الممكن أن يحدث لي، ولكنه حدث، ولهذا أريد أن أقول لكل شخص يحلم بأن يستخدم الفانتازيا ليخبر قصة، يعبر بها عمّا نعيشه بالواقع، يمكنك أن تفعل ذلك، هذا هو الباب، افتحه وادخل"، هذا هو خطاب Guillermo del Toro بعد تسّلمه لجائزة أوسكار أفضل فيلم.
ويبقى الآن جملة واحدة نقولها بعد كل حفل للأوسكار.. عقبال كل سنة.
لمتابعة تطورات ما بعد حفل الأوسكار اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.