وجد الإنسان نفسه داخل الحياة فجأة، لم يعرف من أين أتى، ولا يدري مساره ولا مآله، فقط انتبه إلى غرائزه التي لطالما أرهقت تفكيره وأضرمت النيران في علاقاته الخجولة؛ لهذا فإن العلاقة بين الإنسان والزمان لا تحتاج إلى برهان.
ما أرقى الحوار الإنساني الذي يخوضه الفرد مع أحبائه! ما أجمله! ما أروعه! فهو الفسحة الروحية التي تجعل من العمق البشري أكثر جلاء من غيره؛ لهذا تجد الإنسان غير قادر على حكم ذاته، لكنكَ ستجده أقوى بكثير من ذي قبل عندما يلاقي روحه صدفةً، وهذا الأمر الواقع هو من الحسنات البشرية التي لا يمكن تخيّلها أبداً، فهي تقع فحسب، بلا مقدمات ولا حسابات، هي تقود الذات إلى وقائعها عبر خيط رفيع للغاية، ثم تنسحب نحو علاقاتها الغنية ذاتياً؛ لتسير عبر مؤهلاتها الغريزية باتجاه المجهول.
ما أصعب رمي الحياة على قارعة الزمن! ما أوحش الإنسان وهو يحاول ملاطفة خيرات تنتزَع من صلب مقامه! إنّ أهم ما يمكن للإنسان مقاومته هو غليانه، ما أقسى الألم، عندما يواجه الفرد بعناد، لكنه ضروريّ ضرورة وجود الأمازون في خاصرة الوجود البشري.
الرجل الصلب هو ذاك الإنسان الأكثر رقةً في جوهره، دعوني أحدثكم من موقعي الذكوري، فعندما تنشأ على أرض القراصنة بعقلية "الرجال"، فإن هناك الكثير من المتغيرات تطرأ على حياتك بشكل همجي سافر، لا أحد يبرر أخطاءك، فهي قاتلتك، وهي كالسهام في الجسد العاري بلا دماء، مجرّد ألم جاف.
وأنا صغير أحببتُ أن أكون رجلاً، أوّل ما تتعلمه على أرض القراصنة عن الرجل، هو أنه إنسان شاطر ولا يبكي، شاطر بمعنى أنه يصنع من لا شيء كل الأشياء غير الممكنة، ولا يبكي معناها أنه في كافة المواقف خاصة الحزينة منها أو الظالمة كذلك، هو يكبت دموعه عن النزول، أي أنه بلا قلب ويحمل من المكر والقوة ما يجعله شيطاناً في ثوب إنسان.
على الرجل أن يفعل ما يشاء، ويقوم بما يشاء وقت ما يشاء، فهو لا يقبل أي صوت اعتراض، أذكّر بأنّ هذا فقط على "أرض القراصنة"، الرجل فيها هو فوق القوانين وشرائع السماء، رغم أنه ظاهراً يحاول أن يبدو بمظهر الملتزم بها والحامي لها، هو ذاك الذي يبني بيته مما يريد، ويجلب له الذي يريد، ويطرد منه مَن يريد أيضاً، هو الذي يقهَر ولا يُقهَر، هو الفذ الذي إذا تكلم أجبر البقية على الإنصات له، وإن ما ظلم أحدهم فإن له الحق في تكرار ظلمه له، بينما المرأة في حياته هو الذي يحدد وجودها وبقاءها ومدى قيمتها أو وقت زوالها.
تحت عنوان الرجولة على أرض القراصنة، هزم المجتمع ذكوره، سجنهم في شعارات الشرف والنخوة، واستبدل كل ما له علاقة بالرجال الحقيقيين بكل ما هو مزيّف ومعادٍ للإنسانية، فالرجل قبل أن يكون أيّاً مما تريدون، هو إنسان أولاً وأخيراً.
هلاّ بكيت يا أيها الرجل؟ فإن بكاءك هو نَغَمٌ يجعل إنسانيتك تسمو فوق كافة الألحان، هلّا رفعتَ قيمك البطولية واستبدلتها بقيمك الإنسانية؟ نحتاج اليوم إلى رجل يمشي في الأسواق ويرقص فرحاً في صالات الاحتفالات، نحتاج إلى ذاك الرجل الذي يمثل السَّنَد الروحي للعائلة والجيران والأصدقاء والأحباب، نحتاج لرجل يعرف قدر كل الناس فيقدّر كلّ ذي قدر قدرَه، نحتاج لذاك الرجل الذي يلعب دور الحصن الجامع، فالرجولة ممارسة لا خطابات ومفاهيم بالية.
لا تجعلوا من رجال "القراصنة" أمثلة يحتذى بها، بل علينا أن نُعيد للرجل الهيبة التي أضاعها في زحمة الانفجارات الاجتماعية – الثقافية المختلفة، هذا ما سيجعل الرجل – الإنسان حاضراً في الحياة مجدداً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.