فصل المقال فيما بين التحرش والإعجاب من اتصال

كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع، أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة، بالتالي فإن التحرش فعل يؤذي الغير، وبالخصوص النساء؛ كونهن الأكثر تعرضاً للتحرش الجنسي.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/07 الساعة 06:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/07 الساعة 06:25 بتوقيت غرينتش

قال لصاحبه الذي يجلس أمامه في زاوية المقهى المطل على شارعين، وهما يتجاذبان أطراف الحديث حول القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان المغربي المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء: أعرِب لي "بسْ بسْ"، فقال له صديقه مقهقهاً: "قديمة هي هذه العبارة، فهي أداة لصيد النساء"، وملأت قهقهاتهما المقهى، بينما نظراتهما لا تستقر في أي مكان.

وهذه من بين العبارات التي يتحرش بها جنسياً بالنساء في الشوارع المغربية.

وقد صار الحديث عن التحرش الجنسي مستحوذاً على ألسنة غالبية الجالسين في أرصفة المقاهي وعلى مصطبات المحلات التجارية، بسبب ما شمله القانون الجديد (103.13) المتعلق بالعنف ضد النساء من عقوبات حول التحرش كيفما كان نوعه وعقوبات أخرى.

وقد شمله بعض العامة من الناس بثرثرة كثيرة؛ لكون الكثير منهم لا يستطيع النأي بنفسه عن هذا الفعل الشنيع الذي يمارسه الكثير منهم صباح مساء؛ أغلبهم بعبارات نابية، مدعين أن ذلك لا يعدو أن يكون سوى إعجاب بجمال المرأة وانبهار بقوامها.

وربما السبب وراء اهتمام فئة من العامة بهذا القانون يعود إلى كونه يهدد هواية البعض منهم المتمثلة في التحرش بالنساء في الشارع العام، مدعين أنهم يبدون إعجابهم لا أقل ولا أكثر، وفعلهم ذلك لا يعد في اعتقادهم عنفاً ضد النساء.

الفرق بين التحرش والإعجاب

جاء في معجم الوسيط أن معنى تحرش به هو "تعرض له ليَهِيجَهُ"، بمعنى استوقفه ليقول له كلاماً فيه سبّ وتعديد للمعايب، في حين جاء تعريف الإعجاب على أنه "راقه وسرَّهُ"، أي: الشعور بالسرور والانبساط عند ظهور ما هو حسن وجميل.

وبذلك يتضح جلياً أن هناك بوناً شاسعاً ما بين التحرش والإعجاب، وأن لا مجال لتلبيس التحرش جلباب الإعجاب؛ إذ إن التحرش يدخل ضمن العنف الممارس على الآخر، سواء كان رجلاً أو امرأة.

وحسب تعريف المعجم الوسيط نجد أنه ينطبق عليه نسبياً التعريف الذي منح للعنف ضد النساء في المادة الأولى من قانون محاربة العنف ضد النساء، وذلك من حيث آثاره:

كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع، أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة، بالتالي فإن التحرش فعل يؤذي الغير، وبالخصوص النساء؛ كونهن الأكثر تعرضاً للتحرش الجنسي.

عموماً فإن التحرش سلوك مشين، سواء كان لفظياً أو إيحائياً أو غير ذلك، يتسبب في أضرار نفسية وجسدية للمرأة، في حين أن الإعجاب هو شعور بالابتهاج لا أقل ولا أكثر، ولا يعبر عنه بسلوكات "حيوانية" كالتصفير والغمز واللمز واللمس في أحايين أخرى، وإنما له مناسبات خاصة، وألفاظ مناسبة للتعبير عنه.

بالتالي لا سبيل للخلط بين التحرش والإعجاب، وجعل هذا الأخير غطاء لتصرفات لا تمتّ للمدنية بِصِلة.

آراء حول التحرش والإعجاب

التحرش يتم بغير رضا الطرف الآخر، تقول الطالبة الجامعية يسرى، كما أنه يكون غالباً بألفاظ نابية، وأحياناً يذهب المتحرش إلى تهديد المرأة وسبها، ومنهم من يتجرأ على ضربها في أحايين أخرى لعدم الاستجابة له، وبذلك تكون المرأة في مشكلة لا دخل لها فيها.

وبحسب تعبير يسرى "مَجَاوْبَتْشْ مُشْكِلة، وإلا جاوْبَاتُو كارِثَة"، أي أن المرأة المتحرش بها تكون في حيرة من أمرها، بحيث تخاف إن هي نهرته -أي المتحرش- أن يعنفها، وإن سكتت فإنه يتمادى في فعله، وقد يلاحقها لمسافات وهو يرميها بعبارات نابية وتلميحات جنسية.

في حين ترى الطالبة الجامعية ذاتها أن الإعجاب قد يكون بين طرفين يشتغلان أو يدرسان معاً، ويتصرفان بشكل حضاري، وقد يتجلى في اهتمام أحدهما بالآخر، أو غير ذلك، ويمكن أن يتطور إلى علاقة حب.

فحسب "يُسرى"، يمكن أن نعتبر أن الإعجاب يستوجب توفر معرفة مسبقة بين الطرفين، ولا مجال لاعتبار سلوكات أو إيحاءات صادرة من مجهول إعجاباً، وإنما ذلك يحد من حرية المرأة في الشارع العام، كما تقول الأستاذة المتدربة "فتيحة"، التي تعتبر التحرش أنه شيء مخيف ومزعج، في حين ترى أن التعبير عن الإعجاب لا يتم بتلك التعابير والسلوكات السوقية وبملاحقة المرأة، وإنما من خلال أن يقصد الشخص المرأة مباشرة ويعبر لها عن إعجابه بأدب ولباقة، وإن أعرضت عنه يتقبل الأمر وينصرف دون سب أو تجريح.

كما نجد الطالب الباحث هشام يرى أنه من الصعب الفصل بين التحرش والإعجاب، كونهما يتشابكان فيما بينهما، وليس من الهين رسم حدود فاصلة بينهما، خاصة في أماكن العمل بين الزملاء.

كيف جرّم المشرع المغربي التحرش الجنسي؟

توعد القانون الجديد لمحاربة العنف ضد النساء، المتحرشين بالسجن والغرامات المالية، ونص القانون (103.13) على أن الرسائل الهاتفية والإلكترونية من قبيل "الواتساب" أو الفيسبوك" تعد دليلاً مادياً كافياً للإدانة بتهمة التحرش الجنسي؛ حيث نص المشرّع على مضاعفة العقوبة الحبسية والغرامة المالية لزملاء العمل والمكلفين بحفظ النظام في الشارع العام.

شدد القانون الجديد المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء (103.13) العقوبات على المتحرشين جنسيا، بحيث إن كل مرتكب لجريمة التحرش الجنسي يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2000 إلى 10 آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك إذا أمعن في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية، أو لأغراض جنسية، سواء بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغرض جنسية.

وحدد القانون فصولاً نصّ فيها على "أنه تضاعف العقوبة إذا كان مرتكب الفعل زميلاً في العمل أو من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية أو غيرها".

وجاء في أحد بنود القانون، أنه "يعاقب بالحبس من ثلاث إلى خمس سنوات وغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألفاً إذا ارتكب التحرش الجنسي من طرف أحد الأصول أو المحارم أو من له ولاية أو سلطة على الضحية أو مكلف برعايته أو كافل أو كان الضحية قاصراً".

كما أقر القانون الجديد اعتماد تدابير وقائية لضمان عدم تكرار العنف، كمنع المحكوم عليه من الاتصال بالضحية أو الاقتراب من مكان تواجدها أو التواصل معها.

وتجدر الإشارة إلى أن ما أسهم في إخراج هذا القانون إلى حيز الوجود، هو توصيات الجلسة السابعة والخمسين للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة الصادرة بتاريخ 15 مارس/آذار 2013، التي حثّت الدول على أن تُدين بقوة كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات، وأن تمتنع عن التذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية؛ لكي تتجنب الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالقضاء على العنف على النحو الموضح في الإعلان الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد