الموسيقى لغة الجمال المشتركة بين جميع الناس مهما اختلفت أجناسهم وتنوعت لغاتهم، وقد تفاعل الإنسان معها منذ الأزل وانجذب إلى إيقاعاتها السابحة في الكون، في تغريد العصافير، في خرير المياه في الجداول، في حفيف الأشجار، في كل صوت أبدعه الخالق.
وللموسيقى أهمية كبيرة ودور أساسي في حياة الطفل، فهو يبدأ بالاستماع إلى دقات قلب أمه المنتظمة عندما يكون جنيناً، وهذا الانتظام في الإيقاع – وهو نوع من الموسيقى الحسية- يؤثر عليه بشكل إيجابي، وأي خلل في الانتظام الإيقاعي للقلب يؤثر على الجنين بشكل سلبي.
وبعد أن يولد الطفل، ومنذ الأيام الأولى يتآلف مع الإيقاعات من حوله، التي هي نوع آخر من الموسيقى، فنجده قد اعتاد على إيقاع هز سريره بطريقة محددة، أو إيقاع الطبطبة على ظهره بنمط محدد، أو الاستماع إلى لحن أو أهزوجة معينة قبل النوم.
وقد وجد الباحثون أن أي تغيير في نمط وطقوس تنويم الطفل والخروج عن الإيقاع المنتظم المألوف لديه سيزعج الطفل، ولن يؤدي به إلى الخلود إلى النوم.
يرى بعض الباحثين أيضاً أن الأطفال يملكون حساسية كبيرة لبنيات السلم الموسيقيّ والنغمات والإيقاع، مما يجعلهم قادرين على تذكر الموسيقى وأدائها من خلال ترديد أهزوجة أو تقليد صوت أو لحن معين، كما أن الطفل لا يلتفت إلى الكلمات ولا يدرك معناها غالباً، فما يجذبه في الحقيقة الموسيقى الصوتية التي تدندن الأم بها.
إن للموسيقى دوراً كبيراً في حياة الطفل نوجز بعضاً من وجوهه في النقاط التالية:
1- تنمّي الموسيقى التوافق الحركي والعضلي عند الأطفال، وتطوّر المهارات الحركية لديهم من خلال الأنشطة الموسيقية التي تتطلب إيقاعاً حركياً أو عزفاً على الآلات.
2- تساعد الموسيقى الطفل على التحرر من قلقه وتزيد من ثقته بنفسه، خاصة عند مشاركته الأطفال في عزفها أو أدائها؛ لأنها تعطيه الفرصة كي يعبر عن مشاعره وأحاسيسه دون شعور بالخجل، وتزيد من الروابط الاجتماعية بين الأطفال.
3- تستثير الموسيقى فى الطفل انفعالات عديدة، كالفرح والحزن والشجاعة، مما يثري مشاعره ويزيد من شعوره بمواطن الجمال من حوله، ويزيد من إحساسه بنفسه وبالناس من حوله.
4- الموسيقى وسيلة ممتعة لتعليم جميع الأطفال (ومنهم الأطفال الذين لديهم احتياجات تعليمية خاصة).
إن الخبرات والتجارب الموسيقية يجب أن تكون وسيلة فعالة لتعزيز قدرات التخاطب، وتطوير القدرات المعرفية والحركية للأطفال، وخلق بيئة مناسبة للتنشئة الاجتماعية السليمة.
وقد لوحظ أيضاً أن هناك علاقة قوية بين الموسيقى وتعلم الحساب، وذلك من خلال استخدام الموسيقى المصاحبة لأغاني أو أهازيج العد، مما يدعم التفكير الرياضي والمنطقي في مرحلة مبكرة من عمر الطفل.
5- تحفّز الموسيقى أيضاً قدرات الأطفال السمعية، مما يؤدي بدوره إلى تطوير قدراتهم الأخرى، كالقدرة على التركيز، ومع مرور الزمن يصبح الطفل قادراً على التمييز بين أصوات الآلات الموسيقية، إضافة إلى أن الاستماع إلى الألحان المتنوعة كالألحان الصاخبة والهادئة، والبطيئة والسريعة، يحفز تطور المنطقة السمعية في الدماغ.
6- الموسيقى تقود الطفل نحو عالم الإبداع، فهي تطلق العنان لمخيلته أثناء الاستماع إليها، فيقوم ببناء عالمه الخاص؛ حيث من الممكن أن يتحول صندوق الألعاب إلى طبلة، والمكنسة إلى شريك في الرقص، أو إلى آلة موسيقية كالجيتار، كما أن الأطفال يقومون بتغيير كلمات بعض الأغاني القديمة، ويجددونها أثناء اللعب، مما يضفي على أوقاتهم متعة حقيقية.
من الممكن أن نعتبر الموسيقى أبجدية الطفل الأولى، فمعها يبدأ باكتشاف الأصوات، والتعرف على الكون من حوله، ومهما اختلف تصنيفنا للموسيقى، وسواء أكانت هذه الموسيقى حسية أو صوتية، يظل أثرها كبيراً في نفسية الطفل، فهي ترافقه فترة نموه وأثناء اللعب والتعلم، وهي روح اللغة والتراث، عن طريقها نقدم لغتنا وتراثنا لأطفالنا بكل سلاسة وجمال؛ لندغدغ مشاعرهم وأحاسيسهم، ونلفت أنظارهم إلى كل ما هو جميل وراقٍ من حولهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.