الاشتراكيون.. هل كانوا على حق؟

هل فعلاً كان الاشتراكيون على حق عندما حذرونا من عواقب الرأسمالية وما سينتج عنها؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/07 الساعة 02:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/07 الساعة 02:43 بتوقيت غرينتش

لقد تصارعت أفكار البشر في آخر العقود التي مضت حول الحرية والعدالة والنسيج المجتمعي بكافة طبقاته التي تكونت من تلقاء نفسها، جراء التغيرات الكثيرة التي حصلت نتيجة الأفكار ذاتها التي كان يختلف عليها.

ولكن أهم هذه الأسباب لهذه الاختلافات نتجت عن المال الذي جعل الإنسان على هذه الأرض يقسم نفسه لطبقات اجتماعية واقتصادية على المستوى الصغير، ولكيانات وأنظمة ودول على المستوى الكبير، وأيضاً لا بد من الاعتراف بأن هذا التقسيم جاء نتيجة الاختلاف العرقي والديني والجغرافي، ولكنني أصر على أن المال أو المادة هما السبب الأهم لظهور هذا الانقسام فيما بين البشر.

وما يؤكد هذا الاعتقاد هو تقارب عدد كبير من البشر حول مبدأ الاشتراكية من ناحية، مع أن هؤلاء البشر يختلفون في أعراقهم ودياناتهم واماكنهم الجغرافية، ومن ناحية أخرى أيضاً تقارب عدد كبير من البشر حول مبدأ الرأسمالية، مع أنهم أيضاً مختلفون في الدين والجغرافيا والعرق بحكم انحسار الاختلاف فيما بين هذين الطرفين بالمال والمادة.

ما يعني أن المال كان له الأثر الكبير في حصر الاختلاف بين البشر على هذه الأرض حوله نفسه، بأن حصر دائرة الاختلاف بين نقيضين الرأسمالية من جهة والاشتراكية من جهة أخرى.

فقد اجتمع أصحاب المال والمصالح المادية الأنانية حول الرأسمالية، واجتمع العمال والطبقة الفقيرة والثوريون حول الاشتراكية.

ولعل هذين الطرفين هما على صواب أكثر من حيث النظرة والحاجة الخاصة لكل طرف، فكل منهم ينظر من زاويته.

ولكن الآن وبعد عقود مضت على هذا الصراع الفكري، وبعد تجربة الإنسان طوال هذه المدة لكلا الطرفين؛ من كان على صواب، ومن كان على خطأ؟ أم أنه كان هناك حل وسط يجمع ميزات هذين الاتجاهين لتولد نظرة أو اتجاه ثالث يفيد الإنسان على هذه الأرض؟!

اليوم لقد شارف مبدأ الاشتراكية على الاندثار بحكم سيطرة الرأسمالية وانتشارها في المجتمعات إلى أن وصلت لمستوى نظام يتم تدريسه كثقافة عامة لا بديل لها، فقد حصل ما كان يخشى منه الاشتراكيون، وهو انحسار الثروات في أيدي فئات قليلة على هذه الأرض؛ حيث سادت مع هذا النظام تلك المخاوف على أرض الواقع من حيث اندثار القيم والمبادئ الإنسانية من حقوق الإنسان كأفراد من التمتع بأبسط هذه الحقوق؛ الحرية، العدالة، الترفيه، التعليم، العمل، المساواة، الحب، المشاركة السياسية، الحرية في العبادة، واعتناق الدين.

فقد أصبحت فئات محدودة هي من تحدد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية والاجتماعية والدينية على هذه الأرض.

فقد أصبح الفرد الواحد لا يستطيع أن يكون له الأثر في التغيير أو المشاركة الفاعلة حتى تحت ظل النظام الديمقراطي؛ هذا النظام الذي حصر فئات قليلة للوصول إلى رأس هرم أي هيكل مجتمعي أو حتى ديني.

فهل حقاً تحقق ما كان يصبو له الرأسماليون ويخافه الاشتراكيون؟!

فأنا أعترف بأنه كان هناك صعوبة كبيرة في تطبيق مبادئ الاشتراكية، ولكن في المحصلة النهائية كانت هذه المبادئ أقرب بكثير عن مبادئ الرأسمالية لتطبيق القيم الإنسانية العادلة التي تسعى لها الفطرة البشرية داخل كل إنسان على هذه الأرض مهما اختلف انتماؤه الثقافي والاجتماعي والعرقي والديني.

فهل هذه القيم كانت ستتحقق لو تمت مزاوجة ميزات الاشتراكية مع الرأسمالية؟!

وبما أن الاختلاف الأساسي بين مفهوم الاشتراكية والرأسمالية يتمحور حول ملكية الثروة وحول حق العمال وغيرهم من ذات الطبقة بمشاركة أصحاب المال بالملكية، بحكم دورهم في زيادة الإنتاج، وبناء عليه فماذا لو تمت المحافظة مثلاً على مبدأ التوزيع العادل للثروة مع المحافظة أيضاً على مبدأ وحق أصحاب الثروة بملكية هذه الثروة دون أن يشاركهم أحد بثروتهم بحكم ملكيتهم لها؟! وتمت صياغة أنظمة وتشريعات حقيقية تحفظ حق العمال بدخل واقعي عادل يتساوى مع احتياجاتهم من جهة، ومع مستوى مشاركتهم في تنمية وزيادة هذه الثروة التي يملكها أصحابها من جهة أخرى، وليس الاكتفاء فقط بمنحهم دخلاً مادياً محدوداً كما هو شبه سائد في يومنا هذا، فلا بد أيضاً من الأخذ بعين الاعتبار بجدية لمدى حاجتهم ولمستوى مشاركتهم في زيادة هذه الثروة لمجاراة التفاوت والفرق بين طبقة المالكين للثروة وطبقة العاملين في زيادة هذه الثروة.

ولعل ازدياد الفجوة بين تلك الطبقتين هو من صنع المستبدين والمستغلين ليزدادوا في استبدادهم وطغيانهم على المستوى السياسي والاقتصادي، وما ينتج عنهم من ديكتاتورية وتحكمهم في صياغة الثقافات والديانات وإعطائهم الحق في رسم وتغيير الخريطة الديموغرافية على هذه الأرض بما يخدم مصالحهم الخاصة.

من خلال السلطة والمال والإعلام والجيوش الذين صنعوهم لزيادة ثروتهم ونفوذهم بما يجاري أهواءهم.

لقد صنعوا الأنظمة والكيانات والهياكل الإدارية العليا داخل الدول والأنظمة تحت مسمى الديمقراطية التي يدعون أنها الحل لتحقيق القيم الإنسانية العادلة بشكل مبطن، والتي كان ينادي بها الاشتراكيون، ولعل هذه الوقائع التي تحصل قريبة جداً من الماسونية العالمية التي تدعو لنظام عالمي جديد؛ هذه الماسونية التي صرنا تارة نراها موجودة فعلاً، وتارة أخرى نقول إنها وهْم ومجرد أساس لنظرية المؤامرة.

ولكن وبعد كل هذه السنين أصبحنا على يقين أنها موجودة فعلاً بحكم مشاهدتنا للواقع الذي أصبح يحدث فيه كل ما كنا نخاف أن يتحقق.

فهل فعلاً كان الاشتراكيون على حق عندما حذرونا من عواقب الرأسمالية وما سينتج عنها؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد