أربع سنوات مرت الآن منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن الأزمة العالمية لمقاومة المضادات الحيوية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة للحد من استخدام المضادات الحيوية في كل من الطب والزراعة، فإن هذه التدابير لن توقف العصر القادم لما بعد المضادات الحيوية. نحن بحاجة إلى إيجاد بدائل لهذه الأدوية المنقذة للحياة لضمان استمرار فاعليتها في الحفاظ على سلامتنا من العدوى.
أُجريت العديد من الأبحاث على مجموعة مختلفة من بدائل المضادات الحيوية. وتتضمن أكثر الخيارات الواعدة، الفيروسات البكتيرية، المعروفة باسم العاثيات، والجزيئات المعروفة باسم الببتيدات المضادة للميكروبات. لكن هذه الخيارات لا تزال في مراحل مختلفة من التطوير والاختبار، وربما تمنحنا بعض الأمل للمُضي قدماً في إجراء المزيد من الأبحاث.
ثم هناك مواد طبيعية تشتهر بامتلاكها خصائص مضادة للميكروبات، إلا أن البعض القليل منها فقط أثبت فاعليته أمام المضادات الحيوية، لكن مادة واحدة فقط استمرت في إثبات فاعليتها وإن كانت محدودة، ألا وهي العسل.
كان يستعمل هذا المُحلى الطبيعي لمحاربة الالتهابات منذ آلاف السنين، على الرغم من تجاهله في الوقت الحاضر نظراً لظهور المزيد من العلاجات العصرية، إلا أنه الآن وبفضل مقاومة المضادات الحيوية استرجع الاهتمام الذي كان يحمله في السابق.
كان يُنظر فيما مضى للعسل كدواء؛ نظراً لفاعليته في المساعدة على التئام الجروح. لكننا اكتسبنا على مر القرون فهماً أفضل بكثير عن السبب الذي يجعل هذا السائل فعالاً جداً في منع نمو البكتيريا.
يجعل مزيج من العوامل التي تشمل تركيزات عالية من السكر ووجود المواد الكيميائية القاتلة للبكتيريا مثل بيروكسيد الهيدروجين، من وجود العسل أمراً مزعجاً بشكل لا يصدق للبكتيريا. لا يمكن للكثير من الميكروبات، بما في ذلك تلك التي يعرف أنها تسبب العدوى، البقاء على قيد الحياة في هذه البيئة.
ومنذ عقدٍ مضى، قرر الباحثون اختبار العسل ضد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. وأكدت الاختبارات في المختبر ادعاءات القدامى. الاكتشاف الجديد الوحيد كان أن العسل كان أبطأ في القضاء على البكتيريا مقارنة بالمضادات الحيوية. لكن وفي ضوء ظهور مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، أصبحت الفائدة المحتملة للعسل تستحق إجراء تحليلات وأبحاث أخرى.
وعليه، أجريت التجارب السريرية على أمل الحصول على القبول من المجتمع الطبي العام. وقد أظهرت النتائج أن العسل يمكن أن يساعد في مكافحة التهابات الجروح، على الرغم من أن النتائج كشفت أن العسل قد يكون مساوياً للمضادات الحيوية بدلاً من تفوقه عليها. ومع ذلك، فقد اعتبر ذلك إيجابياً. فبعد كل شيء، استبدال العسل للمضادات الحيوية يمكن أن يساعد على الحفاظ عليها مع مرور الوقت.
مع وضع هذا الأمر بعين الاعتبار، قررت مجموعة من الباحثين الأيرلنديين اكتشاف ما إذا كان يمكن استخدام العسل لمساعدة المرضى على التعامل مع واحد من أكثر الأنواع البكتيرية مقاومة للمضادات الحيوية وإثارة للقلق، وهي المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين، والمعروفة باسم MRSA. ولكن الفريق لم يرغب في التركيز على الجلد. وكان هدفهم هو الحد من وجود البكتيريا في منطقة مشتركة أخرى وهي الأنف. مع العلم أنهم كانوا يدركون بالفعل ما يستطيع العسل القيام به وما هي حدوده، لكنهم كانوا يأملون في إيجاد استخدام آخر لهذا السائل الحلو.
على الرغم من أن فاعلية العسل ليست مثاليةً بعد، فإنه لم يعد بإمكاننا وضعه على الرفّ فحسب بعد الآن.
وقد أجرى الباحثون تجارب سريرية لضمان قبول نتائجهم على نطاق واسع، وإن كانت العملية واضحة نسبياً. عندما وصل المرضى إلى المستشفى، تم التحقق من وجود المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين في أنوفهم، ثم طلب من أولئك الذين كانت نتيجتهم إيجابية وضع واحد من اثنين من الكريمات في أنوفهم ثلاث مرات في اليوم على مدى خمسة أيام؛ يحتوي أحدهما على العسل؛ وكان الآخر مضاداً حيوياً.
بعد انتهاء التجربة، تم جمع العينات من المرضى لمعرفة ما إذا تم القضاء على المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين. وكما كان متوقعاً، لم يكن العسل ولا المضادات الحيوية فعالاً، إذ لم يعتبر سوى حوالي نصف المرضى أنهم تخلصوا من العوامل الممرضة.
بينما قد لا يبدو هذا كنتيجة جيدة من المنظور الطبي، في هذه التجربة، إلا أن القضاء التام على البكتيريا لم يكن الهدف؛ إذ كان يسعى القائمون على الدراسة إلى اكتشاف ما إذا كان للعسل نفس خصائص المضادات الحيوية. وقد أثبتت النتائج صحة ذلك، وهو ما يعطي للعسل المصداقية كسلاح في معركتنا لمقاومة المضادات الحيوية.
بالنسبة للباحثين، تقدم هذه النتيجة الأمل في معركتنا ضد مقاومة المضادات الحيوية. إذا كان يمكن استخدام العسل في حالات منخفضة المخاطر مثل الحالة السالف ذكرها (المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للميثيسيلين في الأنف)، فيمكن بالتالي حفظ المضادات الحيوية للعدوى الأخرى الأكثر إلحاحاً. ولكن للمُضي قدماً في ذلك، يجب القيام بالمزيد من الأبحاث للعثور على التركيز والجرعة الصحيحة والمناسبة من العسل لضمان الفاعلية.
وتكشف هذه الدراسة أيضاً اليأس الذي نواجهه فيما يتعلق بمقاومة المضادات الحيوية. في الأيام السابقة، أدت نتائج هذه التجربة إلى تصنيف العسل كعلاج ممكن. ومع ذلك، فإن عصر ما بعد المضادات الحيوية الذي يلوح في الأفق يتطلب التركيز على استخدام أي وسيلة ممكنة لمنع الاستخدام غير الضروري لهذه الأدوية المنقذة للحياة. على الرغم من أن العسل ليس مثالياً بعد، فإنه لم يعد بإمكاننا وضعه على الرف فحسب بعد الآن.
بينما يواصل الباحثون بذل المزيد من الجهود، فإننا يمكن أن نساعد بدورنا في الحد من مقاومة المضادات الحيوية. يمكننا البدء مثلاً بشراء اللحوم من المزارع التي لا تستخدم المضادات الحيوية في تربية المواشي، وعدم طلب المضادات الحيوية من الطبيب أثناء زيارتنا له أو ببساطة تحسين النظافة للحد من فرص العدوى.
في كل مرة نقلل فيها استخدام المضادات الحيوية، نعطي للمسؤولين في مجال الصحة العامة وقتاً أطول قليلاً للتعامل مع هذه الأزمة.
وتجدر الإشارة إلى أننا لا نزال أمام احتمال فقدان القدرة على استخدام المضادات الحيوية في المستقبل، ولكن نأمل أن نجد بديلاً فاعلاً قبل فوات الأوان.
– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الكندية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.