“لا تبكِ كالفتيات” و”الزهري للبنات” و”المطبخ للستات”… تجرؤوا على تربية أبنائكم عكس ذلك

هل أنتم قادرون من خلال تربيتكم أن تصنعوا منه رجلاً عطوفاً، يحترم مشاعره ويعبّر عنها من دون خوف أو تردّد؟ أين تكمن ضرورة تغيير المفاهيم النمطية التي يتربى عليها الرجل؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/05 الساعة 07:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/05 الساعة 07:26 بتوقيت غرينتش

من اللحظة الأولى التي تنظرون فيها في عيني ابنكم، تدركون أن مستقبله كلّه بين أيديكم أنتم، وأن كل كلمة أو حركة منكم ستحدد خياراته وشخصيته في ما بعد.

تتربّى فتاة اليوم أكثر وأكثر على الثقة بقدراتها، وعلى أنها ليست تابعة لأي رجل، وتستطيع النجاح في مجالات العمل لا العائلة فقط. تربية جعلت من المرأة اليوم إنساناً يفرض نفسه بعد ما كان معزولاً تابعاً لوقت طويل. ماذا عن تربية الرجل؟

هل أنتم قادرون من خلال تربيتكم أن تصنعوا منه رجلاً عطوفاً، يحترم مشاعره ويعبّر عنها من دون خوف أو تردّد؟ أين تكمن ضرورة تغيير المفاهيم النمطية التي يتربى عليها الرجل؟ وهل أنتم مستعدون لتنشئة أبنائكم على اعتناق مفهوم النسوية؟

كيف تطبّق النسوية على الرجل؟

"سعيدة أننا بدأنا نربي بناتنا كما نربي أبناءنا. لكن المجتمع لن يستقيم إن لم نربِ أبناءنا كما نربي بناتنا"، تقول غلوريا ستينم الصحافية والناشطة النسائية. مشيرة إلى أن المرأة لن تأخذ حقوقها كاملة مهما فعلت، ما دام الرجل شريكها في المجتمع لا يتقدم.

وفي نظرة شاملة إلى تطوّر المرأة في سوق العمل والمجالات الاجتماعية الأخرى، نرى أنها اليوم أكثر تحرراً وأقل خوفاً من الوسم الاجتماعي، فبدأنا نراها تقود الطائرة، تحترف رياضة كمال الأجسام، تطلب الزواج من الرجل، تعمل وتربي في آن واحد… أمور كثيرة كانت محرّمة عليها اجتماعياً.

أما الرجل، فبقي على حاله، حتى حقوقه، ترك للمرأة دور المطالبة فيها. فالجمعيات النسائية التي تنادي بحقوق المرأة هي أيضاً تطالب بإعطاء إجازة الأبوة للرجل مثلاً. والمجال الطبي ينادي بتحرير الرجل، من خلال الإشارة إلى أمراض القلب والضغط الخطيرة عند الرجال، جراء الكبت العاطفي الذي تعودوا ممارسته.

في كتابه "أنقذوا أطفالكم من ثقافة الرجولة العنيفة"، يسأل تيد زيف، المعالج النفسي: "كيف لابنكم أن ينجح ويسعد في علاقة عاطفية إن كان مكبوتاً عاطفياً؟ كيف له أن يربي أولاداً متزنين نفسياً وعاطفياً إن لم يمارس العطف والصدق مع نفسه أولاً؟".

يشدد زيف على دور الأهل في كسر المعتقدات البالية التي يربون ابنهم من خلالها، وعلى تشجيعه على التواصل مع مشاعره وأفكاره، ليصبح حراً قادراً على اختيار الحياة التي يرغب في أن يعيشها. فذلك لن يريحه هو فقط، لكن صداه الإيجابي سيشمل المرأة والمجتمع بأكمله.

أن يكون الرجل نسوياً إذاً، يعني أن يكترث لحقوق المرأة، وأن يراها شريكة لا منافسة. يعني ألا يسخر من مشاعرها، ولا يتهرب من مشاركتها في مسؤوليات المنزل والحياة، وهنا تتجسد العدالة الاجتماعية بمعناها الحقيقي.

رجل نسوي = رجل ضعيف؟

يجمع المعالجون النفسيون كلّهم على أنه لا يوجد أي فرق بين الصبي والفتاة في نسبة البكاء حين يكونون أطفالاً. التربية هي التي تعيد صياغة الخطوط الأساسية لشخصية الطفل. فإذا سمع أهله يقولون له: "لا تبكي كالنساء!" سيعتقد أن البكاء عيب وأن كلمة "نساء" إهانة ونقص. فيكبت دموعه ومعها المشاعر، ويلجأ إلى استبدالها بأساليب أخرى، اكتسبها في المنزل، كالصراخ أو الضرب أو إظهار اللامبالاة، التي تبقى مقبولة لأنها لا تنم عن ضعف.

كلّ ذلك خوفاً من أن يقال "أنت رجل ضعيف". لكن الضعف بمعناه الحقيقي هو عدم قدرة الشخص على مواجهة مشاعره والتعبير عنها بصدق، هذا ما أشار إليه دكتور جودي ديلوكا، الطبيب العصبي النفسي، في مقالة نشرت على موقع Psychology Today، لخّص فيها أبرز الأعراض المرضية التي تواجه الرجال الذين يكبتون مشاعرهم، منها اضطرابات الأكل، والإدمان على الكحول والمخدرات، والكآبة المرضية والقلق المرضي.

تربيتكم هي الأساس

لن نضيف الكثير إذا قلنا إن بناء مجتمع أو تدميره يبدأ من نظرات الأهل وسلوكهم اليومي مع الطفل. والأمر ليس مختلفاً في ما خص تغيير المعتقدات النمطية التي تربّى عليها الرجل على مدى العصور، ليصبح أكثر إدراكاً لمشاعره، أكثر إنسانية وقدرة على التعبير عن العاطفة. باختصار أكثر تحرراً من معاني الرجولة التي لم تعد صالحة في أيامنا هذه. فيتحقق العدل بين الجنسين لمجتمع أكثر تجانساً.

اخترنا لكم 10 نصائح تربوية إن كنتم تريدون تربية أبناء ناجحين، واثقين بأنفسهم، متصالحين مع مشاعرهم، يعبّرون عن حاجاتهم بطريقة صحية، بعيدة عن كل أشكال العنف، ويحترمون الآخر باختلافه.

1- دعوا ابنكم يبكي

البكاء وسيلة للتعبير عن المشاعر، وهي تساعد الجسد على تنفيس الضغط الذي ينتج عن حالة الانزعاج، وبالتالي يحميه. إذا رأيتم ابنكم يبكي فلا تمنعوه. على العكس. حاولوا أن تتقربوا منه واسألوه عن السبب، ولا تستخفوا به مهما كان. مساعدته على التعبير عن مشاعره بعيداً عن العنف، هي الخطوة الأولى لحماية المجتمع من المزيد من الإجرام.

2- كلمة "فتاة" ليست إهانة

عندما تتوجهون لابنكم بالقول: "لا تتصرف كالفتيات" إن بكى أو سأل كثيراً أو أراد تقبيلكم أو التقرب منكم، تكونون قد أرسيتم لديه فكرة أن الفتاة ناقصة، وأن له حق السيطرة عليها. أي أنه سيجد سبباً ليقلل من احترامها في ما بعد، ويعتبر أي تصرف منها خاطئاً ومدعاة سخرية. انتبهوا لمفرداتكم.

3- كن لابنك مثلاً صالحاً

أثبتت الأبحاث أن الأبناء الذين يكبرون من دون وجود أب تنشأ لديهم مشاكل سلوكية وتعليمية أكثر بكثير من الفتاة. فهم بحاجة إلى مثل أعلى يقتدون به. وعوضاً أن يكون Superman أو من بين الشخصيات الكرتونية العنيفة التي تكتسح عقولهم، كن أنت أيها الأب ذلك المثال. تحدث عن إنجازات زوجتك أمام ابنك وقدّر دورها. أريه أن للنساء دوراً في المجتمع وعلمه أن احترام المرأة واجب.

4- أدخلوه عالم الطبخ والتنظيف

تعلّمون بناتكم كيفية الاهتمام بنظافة البيت وأسس الطبخ الصحيحة، بينما تشاهدون ابنكم وهو يرمي حذاءه في باحة المنزل، وتقولون: "لا بأس… إنه صبي". من قال إن الصبي يجب أن يكون عديم المسؤولية؟ عوّدوهم على تحمل مسؤولية أنفسهم وأشيائهم منذ الصغر، لتصبح حياتهم وحياة شريكتهم المستقبلية أسهل.

5- علّموه الإكتراث لمشاعر الآخرين

"الفتاة حصة أهلها"، عبارة المقصود فيها أنها كائن حساس يكترث لمشاعر الأهل ويتلمس أوجاعهم. ربّوا ابنكم أن يكون كذلك. أن لا يدير ظهره أمام أخته عندما تبكي، وأن لا يمارس العنف الكلامي مع صديقه أو صديقته. حثوه على أهمية مراعاة مشاعر الآخرين ومساعدتهم إن احتاجوه. أن يطعم أخته الصغيرة مثلاً، أو أن يشارك في نشاطات اجتماعية لمساعدة المحتاجين.

6- شجّعوه على مصادقة الفتيات

أن يتقرب ابنكم من الفتيات منذ الصغر أمر مهم جداً، لأنه سيساعده على التعرف إلى الجنس الآخر، لا كشريكة جنسية فقط بل كصديقة. الصداقة بين الصبي والفتاة ستدخله إلى عالمها، فيصبح أكثر رحمة وقدرة على الحوار، وأقل حاجة إلى اللجوء إلى العنف الكلامي أو الجسدي، كما في ألعاب الفتيان.

7- لا تحاولوا تغيير طباعه بل ساعدوه على التمييز

أن تربوا ابنكم على أن يكون نسوياً، لا يعني أن تعملوا على تغيير طبعه، فالصبي سيبقى صبياً، والتغيير الجذري يتطلب وقتاً. الصحيح أن تساعدوه على التمييز بين السلوك الصحي والآخر العنفي. فمثلاً، أن يصرخ إن شعر بالإزعاج ليس أمراً كارثياً. لكن الضرب هو المرفوض. ليس المطلوب تجريده من المشاعر السلبية، لأنها إنسانية، لكن الأهم محاولة تقيّده بها بعيداً عن أذيّة الآخر.

8- لا تفرضوا عليه شخصيته

لا تلبس اللون الزهري. لا تقلم أظافرك. لا تذهب إلى صالونات التجميل. كل هذا مخصص للفتاة… وبعد. الرقص للفتاة، والحلاقة والفن والتصميم. أنت رجل إذاً عليك أن تختار واحدة من مهن الرجال! دعكم من تلك المفاهيم، لأنكم مهما فعلتم، فإن طبع ابنكم سيتغلب على أفكاركم. حينها سوف يشق طريقه رغماً عنكم وستساهمون بخلق فجوة بينكم وبينه. وهذا ما يأخذنا إلى النصيحة التالية.

9- علموه كيف يكون حازماً وكيف يعتذر

غالباً ما تتذمر النساء من لجوء الرجل إلى العنف والصراخ حين يريد أن يقول لا. وذلك يبدأ بالتربية أيضاً. فمن مسؤوليتكم أن تحددوا قواعد الحزم اللاعنفي في المنزل، أولاً بالممارسة أي أنه مهما صرخ وحاول ابتزازكم عاطفياً، فلا تعني لا. من دون صراخ وعنف. فالتربية بالمثل. إنما من المهم أيضاً تعليمه أهمية الاعتذار عند الخطأ. فذلك لن ينتقص من كرامته، بل سيساعده على الانتباه لتصرفاته والتمييز بين الصح والخطأ.

10- كرّسوا مفهوم العدل لديه

إن كنتم تريدونه أن ينظر للمرأة ويعاملها بعدل، فابدأوا بذلك في المنزل. كونوا عادلين معه ومع أخته، لا تعطوه أي امتيازات فقط لكونه صبياً. لا تقولوا أمامه: "أنت تستطيع السهر لوقت أطول لأنك صبي وتستطيع حماية نفسك". لأن الواقع مختلف تماماً. فالخطر لا يميّز بين ذكر وأنثى.

هذه التدوينة منشورة على موقع رصيف22

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد