جمال مادلين طبر.. وقسوة عبده وازن

إذا كان الزمن قد قسا على هذه الفنانة وهزمها كما تقول، فلماذا تقسو أنت قسوة مضاعفة عليها؟ ألم يكن أجدر بك أن تتحلى ببعض الرحمة والتسامح أمام محاولة بائسة لمحاربة الزمن، نعرف جميعا أنها لن تؤدي إلى شيء، لكننا نمنح صاحبها شرف المحاولة والدخول في معركة هي معركته وحده.

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/02 الساعة 07:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/02 الساعة 07:13 بتوقيت غرينتش

قرأت اليوم مصادفة مقالا لعبده وازن في الحياة منشورا على صفحة صديقة شاعرة، يتحدث فيه عن صدمته من رؤية الممثلة اللبنانية المعروفة مادلين طبر على التلفزيون بعد غياب طويل.

عنوان المقال هو "عندما تخون الفنانة وجهها.. في انتصار وهمي على الزمن" يسرد فيه وازن حبه القديم للفنانة المثقفة، ثم مفاجأته من شكلها الذي تغير جذريا بعد "أعمال التجميل" الكثيرة كما وصفها، حتى أنه لم يتعرف عليها، ومن "الاستلاب اللغوي" الذي تعرضت له، فجعل كلامها يتحول إلى هجين غريب من اللهجات اللبنانية والسورية والمصرية، واستنتج وازن أن ضياع اللهجة هو ضياع للهوية قائلا "إنها اللهجة الهجينة التي شوهتها الهوية الضائعة أو اللاهوية، بحسب ما يقول علماء الألسنة".

مادلين طبر

عبده وازن صديق أحب معظم كتاباته، وهو يعرف ذلك، وقد قلت له في مناسبات عديدة، غير أنني استسمحه هذه المرة في وصف ما كتبه في حق مادلين طبر بـ"الجلافة"، وهو أقل وصف يمكن أن يقال في هذه الحالة.

لو كان كاتب المقال صحافيا مبتدئا في أحد المواقع المجهولة، لغفرنا له هذه القسوة في حق امرأة، بغض النظر عن كونها فنانة وإعلامية، تحارب الزمن وآثاره على وجهها، لكن عبده شاعر وروائي وصحافي قدير لا يحق له النزول إلى هذا المستوى من الكتابة.

جميعنا نعرف أن مجاملة المرأة في ما يتعلق بشكلها ومظهرها واجب أخلاقي قبل كل شيء، فإذا لم نستطع أن نجاملها فلنتغاض على الأقل على هذا الجانب، ونركز على فحوى كلامها ومواقفها وتاريخها وإنجازها.

أما "الاستلاب اللغوي" وهجين اللهجات وضياع الهوية الذي تحدث عنه فهو ما أسميه شخصيا "تلاقح" اللهجات وتحول صاحبه من "الهوية المغلقة" إلى "الأنسنة"، وهو نتاج طبيعي لوجود شخص داخل بيئة مختلطة وثرية وثقافات متماسة مع بعضها، وإن دل على شيء فإنما يدل على تسامح هذا الشخص وانفتاحه على الآخر وتقبله له واستيعابه لثقافات ولغات الشعوب الأخرى.

قبل قراءتي لمقال عبده وازن، كنت قد دعيت لبرنامج تلفزيوني معروف في بيروت، ولثلاثة أيام متتالية ظللت مسمرة أمام المرآة وأنا أفكر: هل أعالج التجاعيد حول الفم والعينين قبل الحلقة أم لا؟ وكانت تلك فعليا أول مرة أفكر فيها جديا في الاستعانة بحقنة بوتوكس لمحو آثار الزمن من على وجهي، وبالأخص تلك التي سجنت ابتسامتي وجعلتني أتردد في إبراز ضحكتي وأسناني التي أحب. في الماضي كانت هذه الأفكار مجرد خواطر تعبر ذهني للحظات دون أن أتوقف عندها طويلا، وكنت أميل إلى رفضها من قبولها.

أردت فقط من خلال هذا المقال أن أقول لصديقي عبده: هل تعرف ما تشعر به امرأة جميلة ومعروفة تقدم بها العمر وهي تنظر إلى نفسها في المرآة؟ أليس من واجبنا جميعا أن نحترم هذه المشاعر التي قد تكون أحيانا من الحدة والقسوة إلى درجة قد تؤدي إلى الانتحار، كما حدث لفنانات كثيرات لا يتسع المجال لذكرهن جميعا، وأولهن مارلين مونرو وسعاد حسني؟

إذا كان الزمن قد قسا على هذه الفنانة وهزمها كما تقول، فلماذا تقسو أنت قسوة مضاعفة عليها؟ ألم يكن أجدر بك أن تتحلى ببعض الرحمة والتسامح أمام محاولة بائسة لمحاربة الزمن، نعرف جميعا أنها لن تؤدي إلى شيء، لكننا نمنح صاحبها شرف المحاولة والدخول في معركة هي معركته وحده.

ثم ما هذا الفراغ الذي يدعوك إلى الكتابة عن وجه فنانة وعمليات تجميلها وكلامها المهجن، في زمن الحرب والتهجير والقتل والتردي الإنساني والثقافي والفني والأخلاقي؟ هل خلت الدنيا من المواضيع، يا صديقي؟

– تم نشر هذ التدوينة في موقع صحيفة العرب

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد