الطريق نحو الإقدام حسب توصيف آلاف من المنسجمين مع حياتهم
وداعاً للمثالية.. وأهلاً وسهلاً بالإقدام
هذا هو الكِتاب الوحيد، الذي دمعت عيناي من الفرح؛ لأنني وجدته، وشكرت الدكتورة برني براون من كل قلبي؛ لأنها اهتمت بعذابات النفوس والمشاعر، وأجرت بحثاً على مدى أكثر من 10 سنوات، بالاعتماد فقط على تجارب البشر.
كُتِب عليَّ، ربما، أن ارتبط بصداقات قريبة جداً مع مجموعة من الأحبّة، هم من أكثر الناس بؤساً وشقاء، ويأساً من تكاليف الحياة. يتجنّبهم الناس؛ لأن اليأس مُعدٍ، مثل الوباء.
لكنني أرى فيهم الكثير من الحب، والحنان، ومحاولاتِ الانسجام مع الذات.
رأيت في تعساء النفوسِ صدقاً مع نداءات قلوبهم، ورفضاً مستميتاً لسخرياتِ حياتنا، وتمرداً على نُظُمِنا الاجتماعية والسياسية، نظم لا يمكنني أَن أصِفَ جزءاً جزلاً منها في لحظةِ الكتابة هذه، سوى أنها همجيةٌ، وتافهةٌ ومتناقضة.
فالإنسانية في هذا الكوكب كافة، لا تزال متخلفةً جداً في مفهومٍ كبير هو: "قبول الإنسان فقط؛ لأنه إنسان قبل كل شيء".
فلم تعُد حتى قيم فلاسفة عصر التنوير مطبَّقةً في هذه الأرض، رغم المحاولات الكثيرة. ولم يتمكن الإنسان، بعقله ومنتجات تفكيره، من إنقاذ التعساء من إخوته في شتى اتجاه البوصلة؛ شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً.
لن أخفيَ في نفسي وعن أحبائي البؤساء، أنني إنسانٌ أتدفقُ نشاطاً بالتحدي. فكلما اشتد يأسُ أحدهم، وهو يشكو همه إليَّ، اشتد وضوح الصورة لدي بأن الحياة فيها نصف آخر مشرق، وأنني لحظتها تشتعلُ داخلي الدوافع للبحث عن أجوبةٍ لأسئلتهم الفاضحةِ والكاشفةِ لواقعنا.
كتاب د. برني براون الجبار، يجيب عن كثير من أسئلةِ اليائسين، ويساعد المعذَّبين عبر ملخص قصصِ وتجاربِ آلافٍ ممن أجرت الدكتورة براون لقاءاتٍ معهم.
كيف يمكن أن يستخدم ذوو المشاعر الغامرة بالحساسية، الصدمات كي يكونوا أقوياء؟ كيف يمكن أن تتحول مشاعرهم الحساسة النزَّاعة نحو الضعف إلى قوة، تدفعهم لخوض غمار الحياة.. إلى الحب والإقدام.. إلى المشاركة في مسرح الحياة؟
بحْث براون ليس ضمن مهارات التنمية البشرية "التجارية" الشائعة؛ بل هي تضع يدها على عقبات العيش السليم، وتلخِّص لنا استنتاجاتها، من إجاباتِ مَن أجرت معهم اللقاءات.
ومن ثم، فهي تجيبنا عن سؤال واحد كبير هو: كيف تغلَّب المنسجمون مع الحياة wholehearted -أسميهم أنا "من يعيشون الحياة كافة"- على عوائق الحياة؟
لخَّصت هذه الباحثة العظيمة بحثها بالتركيز على "الحساسية أو القابلية للتعرُّض لحوادث الحياة"، أو الـvulnerability، وكيف يمكن أن تقود الإنسان نحو الانتقال للحياة المنسجمة، بدلاً من اعتبار الحساسية ضعفاً.
Vulnerability الحساسية للتأثر، أو القابلية لأن نكون عرضة أو أن نكون في "مهب الريح"، وتعني: الشعور بأنك عرضة للحوادث وللصدمات أو المواقف الصعبة، أو هي القابلية للتعرض لصدمة ما أو للنقد أو الملامة أو الخزي.
تقول الدكتورة براون، إن الــVulnerability تشمل 3 عناصر تنتابنا، هي:
1. الغموض والمخاطرة.
2. التعرض العاطفي.
3. الانكشاف العاطفي.
أما المشاعر التي يمكن أن نعالجها باستخدام هذه الحساسية العاطفية في صالحنا، فهي:
– الــShame، المعايرة: أن تعيّر (من العار) إنساناً بأنه سيئ، أو تعيّر جهداً معيناً بأنه تافه، أو أن تنتقد مجتهداً يسعى للوصول إلى النجاح بوصمه بأنه عاجز. كأن تعيّر أطفالك بأنهم أغبياء، أو لا يفهمون!
– اللوم، الــ Blame؛ ترى براون أن اللائمين ممن يبحثون عن الظروف والأشخاص لتحميلهم مسؤولية عجزهم، هم غالباً لا يرغبون في تجنب ذلك العجز مستقبلاً، وأنهم غير منسجمين مع أنفسهم.
– النقصان، وعدم الكمال، الــImperfection: خرجت الدكتورة براون بنتيجة من لقاءاتها مع الناس، وهي أن فكرة المثالية المفرطة، التي تحولت إلى ثقافة عامة في العالم هي غير واقعية. وهي ناتجة عن ثقافة الطمع والندرة وثقافة عدم الأهلية المنتشرة.
تقول براون: "إن بَعضنا يكافحون ثقافة الندرة والطمع، وعدم الأهلية ونقص الجدارة هذه، بمحاولة إرضاء الآخرين، وتمثيل الأدوار، وتصنُّع المثالية. ونحن نتخلى في سبيل ذلك عن النظر إلى دواخلنا واكتشاف شخصياتنا، والنظر إلى الأشياء بالقرب إلى طبيعتها".
ترى الدكتورة برني براون، من خلال بحثها، الذي اعتمد على مقابلات مع أكثر من 10 آلاف شخص، أن حساسيتنا الشعورية وقابلياتنا للتعرض للصدمات أو المواقف المحيطة، ليست ضعفاً؛ بل إنها طريقنا الواضحة للإقدام والانخراط في التواصل ذي المعنى، مع العالم والنَّاس.. فنحن كائنات متواصلة بطبعها.
إلى اليائسين ومَن يعيشون حالات الإنكار والمعذَّبين؛ أهدي هذه الملخصات المستوحاة من أفكار هذه الكاتبة العظيمة برني براون.. لنكتشف معاً أوصاف العيش المنسجم. ولنتذكر دائماً أننا عندما ننظر بعين التحدي والتغلب على إحباط المحبِطِين، نصل إلى مرحلة نشكر فيها العالم على وجود المثبِّطين، والمنتقدين و"القَتَلة"، ممن يحاولون قتل كل شيء فينا، فهم بمثابة مطاط دافع يرمينا بقوة نحو الإقلاع!
في كتابها المعنون بـــ"Daring Greatly-الإقدام بعظمة"، تختزل الدكتور برني براون بحثها الذي أجرته على مدى 12 عاماً، حول الحساسيات المفرطة الــVulnerability.
هي عانت شخصياً هذه الحساسيات المفرطة، ولكنها أكملت الدراسة في المجال. كما قوبل بحثها في بعض الأطياف الأكاديمية بالتشكك والتردد والنقد، قبل أن تشتهر بعد تقدير قيمة أفكارها.
أولاً: ماذا يعني أن نعيش الحياة كافة؟
أن نعيش الحياة كافة؛ يعني أن نتعامل مع البشر:
– من موقع الاستحقاق.
– من موطن، أننا أناس ذوو حرمة وقداسة.
– من نفسية أننا بشر ذوو قيمة، ونستحق الحب والاحترام.
– بروح الأهلية؛ أننا أهل للتواصل والحنان، دون أي إضافات ومساحيق اجتماعية.
– أن نتعامل مع الحياة والأحياء من موقع مشابهة وتشابه وتساوي البشر كافة.
– من تصور أننا أكْفاء من غير نقص ولا مثالية زائفة، تُلقَى في وجوهنا كلما أردنا أن نشق طرقنا نحو الحياة.
ثانياً: الدخول إلى ميدان الحياة
طريق الانسجام مع الحياة يبدأ بأن:
– نكون في الميادين، بمسارح الحياة.
– نَعرِض أنفسنا بشجاعة، رغم كل حساسياتنا الداخلية.. رغم قابلياتنا للجرح.. رغم مثول الفشل والإخفاق أمامنا.
حساسيتنا للتأثر، أو قابليتنا للتعرض لحوادث الحياة أو الــvulnerability، هي ألا نعرف الانتصار أو الهزيمة. إنها فهم لضرورة وجود القيمتين في حياتنا.
هي الانخراط والمشاركة في الحياة.. إنها تعني أن ندخل الحياة كافة.
هذه القابلية للتعرض للحوادث ليست ضعفاً، وما نواجهه في هذا الخضم من غموض الرؤية، والمخاطرة، وانكشاف المشاعر، ليس خياراً.
ما يهم هي درجة انخراطنا ودخولنا في الميادين والنضال الحياتي.
لا ينتظر المنسجمون مع أنفسهم حتى يصبحوا محصَّنين بالمثالية، والدروع الواقية من عذابات الحياة كي يشاركوا في حلباتها.
إن قيمتَي الحصانة والمثالية مغريتان بالتمسك بهما، لكنهما في الواقع لا وجود لهما! ولذلك، يجب أن نسير نحو الدخول إلى مسرح الحياة، بصفتين مهمتين، سواء كان ذاك علاقة حب جديدة، أو اجتماع عمل مهمّاً، أو أنشطة ومشاريع إبداعية، أو حواراً عائلياً صعباً.
الصفتان هما: الشجاعة وإرادة الانخراط.
وبدلاً من القعود على الهوامش وإلقاء الأحكام أو إعطاء النصائح، يجدر بنا أن نُقْدِم على الظهور، وأن نعرِض أنفسنا، هناك؛ في مسرح الحياة.. أن نُقْدِم بعظمة.
قال ثيودور روزفيلت: "ليس الناقد هو المهم؛ وليس الاعتبار الحقيقي لذاك القاعد الذي يشير إلى الإنسان الناشط المجتهد القوي المتعثر في طريقه، كيف تعثر!
كما أن التقدير لا يستحقه، ذاك الذي يشير نحو المجتهد بقوله: إنه كان بإمكانه أن ينجز أفضل! إن التقدير الحقيقي والأهمية والاعتبار، يستحقها ذاك العامل في المسرح.. ذاك الذي تمرّغ وجهُه بالغبار والعَرق والدم.. ذاك المناضل بجرأة.. ذاك الساعي الذي يخطئ، ويزلّ، ويسقط مرة تلو أخرى.
فليس هناك جهد دون خطأ وعيب، وهو في جهده يسعى نحو الأعمال العظيمة.
إن التقدير يستحقه هذا المناضل الذي عرف معنى الحماسة، والالتزام، وأنفق ذاته في مهمة تستحق التضحية.
وهو في نهاية المطاف، في أحسن الأحوال، يعرف معنى انتصار الإنجازات العظيمة، وإن فشل فإنه في أسوأ الاحتمالات، يفشل وهو يناطح بعظمة".. (يُتبَع)
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.