بالتأمّل فيما يعيشه العالم من صراعات نجد أن الحرب الأبدية بين الخير والشر مستعرة ومستمرة -آسف لقد أخطأت- فبالتأمّل سنجد هذه الصراعات في الحقيقة هي حرب بين شر وما هو أشر منه، فالكل يعتبر قضيته عادلة وأحياناً مقدسة وحتى بعض التصرفات البديهية قد تقبل عدة أوجه كتقديم الصدقة مثلاً قد يكون لمساعدة المحتاجين، أو قد يكون لإسكات تأنيب الضمير، حين نجد أن الأقدار قد منحتنا امتيازات حرمت منها غيرنا، أو قد يكون الهدف منها الرياء وخداع الناس لهدف مُبَيت.
وبالتالي يبقى تحديد الخير فضفاضاً وضبابياً ونسبياً، أكيد أن هناك استثناءات فعلى الأقل توجد تعريفات للخير والشر موحدة عالمياً وإنسانياً، والأكيد أيضاً أن الخير كائن كسول، لا يظهر ويدافع عن وجوده إلا بعد طغيان الشر، أما الشر فهو كائن مجتهد جداً، لا يكتفي بالدفاع عن وجوده فقط فهو دائماً يبحث للتجلّي بصور متجددة، وحتى عند سيادته فهو يبدع في تطوره وهيمنته ويأتي بأسماء وشعارات جديدة (فاشية، نازية، صهيونية، داعشية…).
المواجهة المباشرة بينهما غير متكافئة والشر هو الفئة الأقوى؛ لأنه قادر على أن يحارب بكل الأسلحة والوسائل، أما الخير فهو مرتبط بضوابط وقواعد وقوانين لا بد أن يلتزم بها فهي من تحدد هويته، وبدونها يخسر نفسه ويتحول لنسخة أخرى عن الشر.
أيضاً للشر قدرة هائلة على التكاثر، فالعنف مثلاً كشرّ ممارس يولد العنف المضاض غالباً، أما الخير فلا يولد الخير عادةً ومنها مقولة "اتقِ شرَّ مَن أحسنت إليه"، أي أننا نتوقع الشر بفعل الشر، ولا نتوقع الخير بفعل الخير؛ لذلك نجد أن فترات العنف أطول من فترات الاستقرار خلال تاريخ الأمم، ما دفع كارل ماركس للقول: "العنف مولد التاريخ".
أما فكرة أن الخير صبور ويرضى بقدر الظلم فهي دليل الكسل والتقاعس والسذاجة (الكل خير وطيب مثلي)، وإلا لماذا الشر دائم الجد والتحرك ولا يعطي فرصة للخير؟ والخير لا يتحرك إلا بعدما يظلم من يظلم ويدمر ما يدمر؟
لا أتوقع أن يعيش الناس في المدينة الفاضلة حيث لا تحاسد ولا ظلم ولا خوف على الأقل في الأرض، فهذه مواصفات الجنة، لكن في المقابل أتوقع حروباً وإبادات ومجازر فكما قال هيرقليطس: "الحرب هي كل الأشياء وملكة كل الأشياء".
والآن أيها القارئ، هل تعتبرني متشائماً أو واقعياً؟ صحيح تصنف هذه الحقبة الأقل عنفاً عبر تاريخ البشرية، لكن دعك من ثقافة أفلام الكارتون والإحصاءات، انظر لبراكين العنف الثائرة في كل أرجاء العالم، انظر للجريمة المتفشية في المجتمع، ثم انظر داخلك هل تشعر حقاً بالأمان؟ ألا تحس بأن الشر يحيط بك ويحاصرك كل يوم أكثر؟ وإلا لماذا الخزنة والأبواب والأقفال؟ لماذا تحتاج كلمة سر أو مرور في هاتفك؟ لماذا تضع نقودك في البنك؟ لماذا تتفق في قرارة نفسك مع مقولة فرويد "الإنسان ذئب أخيه الإنسان"؟ لماذا تواجد الشرطة والحراس يشعرك بالأمان؟
الخير لا يهزم الشر، فالشر هو الأقوى وهو مَن يسود كثيراً ويضحك كثيراً إلا أنه يصل لدرجة من الكبر والطغيان يدمر فيها نفسه بأسلحته، وهذه النقطة تميز الخير، فهو حصين ضد التدمير الذاتي، كما أن للخير سلاحاً قوياً جداً هو التضحية، وهو ما لا يستطيع الشر أن يفهمه ويستوعبه، وهذا ما يجعل الخير في النهاية ينتصر أو على الأقل إلى حين وحينٍ قريب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.