"حياتي من دونك لا تساوي شيئاً. لن أحب بعدك".
أليس بتلك المشاعر والوعود تبدأ علاقات الحب؟ وتوقعات تحلم بمستقبلٍ أبدي مع الحبيب أو الحبيبة؟
مرات، يأتي الواقع كمارد بعد حين، ليخترق جدار الحب، فتتلاشى معه كل التوقعات والاحتمالات، لتبدأ رحلة الحب الحقيقية المبنية على واقع وتبادل عادل، أو وجع الخيبة بأن الآخر لم يأت على قدر توقعاتنا.
هل الآخر مذنب بإيهامنا أو نحن الذين بنينا قصوراً في الرمال؟ ما هو سرّ تلك الحاجة إلى التوقع الزائد برغم الخيبات المتتالية؟
هل التوقع مضرّ بعلاقات الحب؟
كثيرة هي البدايات السعيدة التي تكلّل قصص الحب. لكن القصص تلك تتحوّل أحياناً إلى نهايات مرّة، ويتحول معها العاشق من مصدر الفرح إلى سبب الخيبة. ونعود إلى قصة أخرى وتوقع آخر. توقع لا يقل قدراً عن سابقه، يمضي بنا إلى النتائج نفسها.
يعتبر علماء النفس أن التخيلات الإيجابية تلعب دوراً مزدوجاً في علاقة الحب. فهي، وإن ساهمت في البداية في إشعال الشغف بين شخصين، تشكل كتلة من الضباب تحجب رؤية العاشقين عن العوائق التي يمكن أن تكون سبباً في إفشال العلاقة. عوائق يمكن أن تكمن في اختلاف طباعهما أو نظرتهما إلى الأمور. والأهم من ذلك هي العوائق التي تتكرس في توقعات كل منهما من تلك العلاقة.
فإذا كانت مختلفة وغير متجانسة، يصطدم العشيقان فيها، ليجدا أن إنجاح العلاقة سوف يتطلب جهداً حقيقياً. فهل هما حاضران لبذل هذا الجهد أم سيختاران الطريق الأسهل وهو الغوص في بحر التوقعات؟
تأتي تلك التوقعات على شكل أحلام يقظة أو آمال بأن الشريك هو الشخص المثالي الذي لطالما انتظرناه، ووجوده في حياتنا سيعوّضنا عن كل النواقص العاطفية التي راكمناها منذ الصغر حتى اليوم. حاجات عاطفية نظن أنه المسؤول والقادر على إشباعها منذ النظرة الأولى، فنصب كل آمالنا في تلك العلاقة لتصبح محطّ تركيزنا ومحور عطائنا واهتمامنا.
هذا كلّه جميل ورومانسي. لكن المشكلة الأساسية تقع حين نُصاب بغشاوة الرؤية، لدى اعتقادنا بأننا والشريك نتشابه في التوقعات والتوجهات، فنظن سلفاً من دون الرجوع إليه، بأننا وهو نتشارك النظرة نفسها للعلاقة. أي أن كل تصرفاته تدور حولنا، وأنه يجب أن يفهم حاجاتنا ويلبّيها، حتى من دون أن نضطر إلى التعبير عنها. وكيف لا فهو يعشقنا. نعتقد إذاً أنه يجب أن يدفع ثمن شعوره هذا، بأن يقرأ ما في ذهننا وينفّذه حرفياً.
ماذا لو لم يستطع الشريك تلبية حاجاتنا العاطفية؟ هل نحكم عليه بسوء النية، أو الأجدر بنا سؤال ذاتنا عن مدى واقعية تلك التوقعات؟ ماذا لو تخطت توقعاتنا قدرة شريكنا العاطفية؟
كيف تؤثر توقعاتنا على معدّل السعادة لدينا؟
وجه آخر لتوقعاتنا هو تحميل الشريك مسؤولية شعورنا. أي أنه مسؤول عن سعادتنا أو حزننا. مسألة جاءت محور دراسة حديثة، هدفها النظر في طبيعة التوقعات العاطفية، وتأثيرها على صحة العلاقة ومستقبلها. وركزت على 4 توقعات أساسية يجب الرجوع إليها لمعرفة إذا كانت العلاقة قابلة للاستمرار:
1 – ماذا عن نوعية التواصل بينكم؟ هل أنتم على الموجة نفسها في ما يخص التواصل الجنسي والعاطفي؟ هل تعبرون عن شعوركم بالطريقة نفسها؟ يمكن أن تكونوا ممن يعبرون عن الحب بعبارات جميلة، بينما شريككم يفضل الأفعال على الكلام. كيف ستتصرفون حينها؟ هل تشعرون بخيبة عدم التعبير كما تحبون أو أنكم ستتحاورون معه حول سبل تواصل يرضيكم؟
2 – هل تشعرون أن الشغف بينكما متبادل؟ أو أنكم في حال من الحيرة والترقب، حول ما إذا كان يرغبكم بالقدر نفسه؟ تأتي التوقعات هنا على شكل تساؤلات، لا أجوبة محددة لها. ستشعرون أحياناً أنه يرغب فيكم بشدة، وأحياناً أخرى، إذا صدر منه تصرف لا تتوقعونه، يمكن أن تشعروا أن رغبته فيكم تراجعت. هل شعوركم وتوقعاتكم صحيحة؟ هل هي واقع أم خيال؟
3 – ماذا عن مستقبل علاقتكم وفرص نجاحها؟ هل تتوقعون لها النجاح والاستمرار؟ أو أنها ذاهبة إلى الفشل؟ وماذا عن شريككم؟ هل لديه التوقع نفسه؟ أو أنكم تستثمرون في العلاقة وحدكم؟
إذا شعرتم أن العمل على العلاقة متبادل، تشعرون بسعادة كبيرة، أما إذا كانت توقعاتكم عكس ذلك، أي أن العلاقة لسبب ما لن تستمر، فإن للحزن مساحة أكبر فيكم.
4 – هل تشعرون أن هناك تفاهماً بينكم وبين الشريك؟ أو أنتم في واد وهو في واد؟ أمر آخر يؤثر في توقعاتكم، وبالتالي في سلوككم تجاه تلك العلاقة. فإذا كان جوابكم نعم، تصرفتم بثقة وإيجابية، وإذا كنتم في حال من التردد، أصبح سلوككم سلبياً تجاه الشريك والعلاقة.
السلوك إذاً، حسب تلك الدراسة، مبني بشكل أساسي على توقعاتنا نحن. بغض النظر إذا كانت صحيحة أو لا. سلوك يتأثر بشعورنا تجاه تصرفات الشريك، ويؤثر مباشرةً على سير العلاقة. ماذا إذا أثرت توقعاتنا سلباً على العلاقة؟ هل نغيّرها أو ننهي العلاقة؟ إذا توقّعنا مثلاً أن شريكنا عاجز عن تأمين متطلباتنا العاطفية، فهل نهجره أو نغيّر توقعاتنا؟
صراع داخلي صعب لا شك. لكن الأهم، يبقى في عدم اتخاذ أي قرار أحادي، مبني على توقعاتنا نحن من دون معرفة الرأي الآخر.
هل الحلّ في عقد نفسي وعاطفي صريح؟
"اعتقدت أنك ستتصرف بهذه الطريقة. لم أعرف أن سلوكي هذا سيزعجك. سلوكك هذا لا يناسبني".
بدأت رحلة الاستكشاف ووضعت التوقعات على ميزان التجربة والواقع. فهل تكون مطابقة مع الواقع أو نُصاب بخيبة؟ عندما نميّز بين حاجاتنا التي ورثناها منذ الصغر، وبين تلك التي من شأن الشريك تأمينها، كيف نعبر بالعلاقة من التوقعات إلى الواقع؟
هل يحدث ذلك من دون إرساء عقد نفسي وعاطفي صريح بين الشريكين؟ أي أن يكون كل طرف قادراً على التعبير عن حاجاته بصدق دون خوف أو تردد. عوضاً أن نتوقع إذا كان الآخر سيلبيها أو لا. لمَ لا نكون مباشرين؟ لمَ لا نذهب إليه ونضع حاجاتنا النفسية بوضوح؟ فنقول له: "أنا أتوقع من العلاقة أن تؤمن لي هذه الحاجة أو تلك. أتوقع منك أن تعاملني بطريقة معينة".
أسلوب سيحمينا من الانتظار القاتل للوقت والطاقة والرغبة. انتظار مهما طال وتحوّل فستكون نهايته الحتمية الخيبة التي إن تراكمت، أخذت علاقتنا الحالية، وربما علاقاتنا المستقبلية، من يدري، إلى دوامة الفشل.
هذه التدوينة منشورة على موقع رصيف22
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.