انحدر تعامل هياكل الدولة في تونس اليوم مع شباب البلاد إلى مستوى سياسة التجاهل والاستخفاف، صحبة التقاعس عن التعامل الجدّي مع تحديات أساسية تواجه أهم القطاعات.
ومصداق ذلك ليس فيما يجري هذه الأيام مع الأطباء الشبان فحسب، بل يمتد أيضاً للإضرابات التي سبقت من قبل المهندسين الشبان مثلاً ولمعاناة الفئات الشبابية المختلفة، وبالذات العاطلة عن العمل من أصحاب الشهادات العليا، الذين قضوا ما بين الأشهر إلى السنوات الأخيرة على أعتاب الوزارات، في اعتصاماتٍ واحتجاجات لا تُحصى، دون أن يلقوا غير نفس المماطلة مغمضة العينين، مغلقة الأذنين في كل مرة، من قِبل السلط المعنية.
حركة أو ثورة الـ76، برقمَيْها، ليست سوى ترميز عن 7 سنوات مرت منذ بداية تحرك الأطباء الشبان، بالموازاة مع مرور 6 وزراء، منهم مَن أمضى اتفاقات وقام بمصادقات على ما لم يرضَ خليفته في الوزارة الاعتراف به أو مواصلة السير فيه، في غيابٍ صادم لاستمرارية مؤسسات الدولة.
عودة سريعة على جملة هذه المطالب التي يناضل من أجل تحقيقها الأطباء الشبان التونسيون اليوم تحيلنا إلى أربعة مطالب أساسية:
1. الالتزام بالحفاظ على الشهادة الوطنية للدكتور في الطب وإسنادها في آجالها المتعارف عليها مع إنهاء سنوات التعليم الأساسية، في ظل ظهور مشروع تعديل إصلاح الدراسات الطبية لسنة 2011 المطروح، والذي يبطل هذه الشهادة ويستحدث صَهرها مع شهادة ختم الاختصاص، والتي لا تسندُ سوى بعد 9 إلى 11 سنة بعد البكالوريا، مما يلغي، إضافة لذلك، إمكانية تكوين الأطباء الشبان في إطار بحوث ما بعد الدكتوراه أو إمكانية التوجه نحو الميدان البحثي أو العمل في الخارج.
2. إرساءٌ نهائي لنظام أساسي خاص بالأطباء الداخليين والمقيمين، ومنه، ضرورة توفر تأطير ملموس من قِبل الأطباء الكبار وعدم السماح مُستقبلاً بعمل الأطباء لأكثر من 24 ساعة متتالية مع تمكينهم من "راحة أمان" إثرها، قصد تفادي وقوع الأخطاء الطبية.
3. يدعو الأطباء الشبان إلى تمتيعهم، كسائر فئات الشعب، بشروط الإعفاء فيما يخص الخدمة المدنية دون تمييز، بما يحفظ كرامتهم كمواطنين.
4. رصد الاعتمادات اللازمة للتطوع لسد الشغور الحاصل بالمستشفيات الجامعية اليوم والناتج عن الفرض غير المدروس لمنظومةٍ جديدةٍ لم يكن للأطباء الشبان كلمة فيها، مع فتح ملف أجور الأطباء الشبان من جنسيات غير تونسية (موريتانيين، فلسطينيين وأفارقة من جنوب الصحراء)، والذين درسوا بكليات الطب التونسية ويزاولون مهامهم كمتربصين داخليين أو مقيمين بالمستشفيات التونسية؛ حيث يتقاضون ثلث الأجر الذي يتقاضاه التونسيون مقابل ساعات عمل مماثلة.
ذلك وقد انطلق آخر التحركات في شكل إضراب احتجاجي عن العمل والتربص والنشاط الجامعي في كل من تونس العاصمة، سوسة، المنستير، صفاقس والأقسام الراجعة لها بالنظر، بشكل يومي، منذ السادس من الشهر الجاري والذي لا يزال مستمراً إلى الآن.
وذلك على خلفية إعلام مصدر ممثل عن رئاسة الحكومة لوفد المنظمة التونسية للأطباء الشبان بأن وزارة الصحة هي المتسببة في تعطل تنفيذ الاتفاقات السابقة، وبأنها هي المسؤولة عن تكوين الأطباء، وبالتالي عن قيادة مبادرة إصلاح تعليم الطب وإصدار القانون الأساسي للأطباء الداخليين والمقيمين.
الشيء الذي أغلق الباب أمام إمكانية تملصها المستقبلية من هذه المسؤولية كاملة. وقد بات معروفاً الساعة أن أكبر مستفيد من بقاء الأوضاع المتدهورة على ما هي عليه هي قلةٌ من الأطباء الكبار المتنفذين، الذين يستغلون المنظومة لاستعباد مَن هم في طور التكوين من الأطباء الشبان؛ حيث يجد هؤلاء الشبان أنفسهم بصدد القيام بغالبية العمل المطلوب في المستشفيات العمومية بمفردهم، ما يسمح لـ"الكبار" بمزاولة نشاطاتهم التكميلية في القطاع الخاص بكل أريحية، غير ملتفتين لجودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطن البسيط في المستشفيات الحكومية.
فتسير الأمور نحو مزيد إعياء المنظومة الصحية العمومية المتهالكة، وقد بلغ التدهور القاع ودوّت صافرات الإنذار حتى بحّ صوتها.
ولن يؤدي تحسين أوضاع عمل الأطباء الشبان، الداخليين والمقيمين، ووضعهم القانوني سوى إلى تضييق الخناق على المصالح الشخصية الضيقة لأولئك.
مطالبُ تحشدُ مساندة علنية من أهل القطاع والرأي العام
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.