5 آلاف جنيه سُرقت مني فكانت سبب نجاحي.. رحلتي من الخُلع الى الماجستير

أحمد الله كل يوم على اختيار الله لي ولابنتي.. أتذكر كثيراً بكائي في التاكسي وقلّة حيلتي.. ولكن "عَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" تأتي الكثير من النعم على هيئة نِقَم.. لو كان ردّ لي وقتها الـ5000 جنيه لما كنتُ حققت نصف حلمي.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/19 الساعة 10:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/19 الساعة 10:35 بتوقيت غرينتش

لديَّ قصة خاصة جداً مع حسن تدابير الله أتذكرها كلما شعرت أنني سأدخل ربوع اليأس.

عام 2010 تخرجت في كلية سياسة واقتصاد في أميركا، وعدتُ إلى مصر ليتم زواجي، كنت وقتها محمّلة بالأماني والأحلام الوردية: "رفيقان وأطفال وعش غرام".. ولكن سرعان ما تأكدت أن أحلامي الوردية انهارت حين بدأ العنف الجسدي بعد شهر واحد فقط من الزواج.

ولكني ككثير من البنات اخترت أن أحاول لعلّ وعسى تتغير الأمور.. وفي خلال زواجي الذي كنت أتأكد كل يوم أنه لن يستمر عدتُ أفكر في أحلامي القديمة، أحلام استكمال دراستي الأكاديمية، ولكن إمكانياتي وقتها لم تكن تسمح لي إلا أن أتقدم بأوراقي للالتحاق بدراسة الماجستير في جامعة القاهرة، وكانت رسوم الدراسة حينها 5000 جنيه مصري، وكنت قد أقرضتها مع أموال أخرى لزوجي السابق لدراسة الماجستير الخاصة به وأخذت عليه عهداً بأن يردها لي حين أحتاج إليها.

وحين قمت بطلبها منه قال لي حرفياً: "ما لكيش عندي حاجة ومش هسمح تاخدي من أهلك".. أتذكر ذلك الحوار جيداً، كنت راكبة تاكسي وقتها وبكيت.. بكيت كثيراً وكأنها نهاية العالم، ولكن هذه الحادثة لم تكن نهاية الأحزان لي في ذلك الوقت.

في خلال ذلك العام حملت بابنتي..ظننت عبثاً أن حملي سيؤلّف بين قلبي وقلب زوجي، ولكن بعكس توقعي المشاكل تفاقمت، وخاصة حين زادت المتطلبات المادية الذي تبعتها زيادة في العنف الجسدي واللفظي.

ولكن كانت الصدمة بالنسبة لي حين وجدت بحثاً على جهاز اللاب توب الخاص به بعنوان: "قانون الشقة عند طلاق المرأة الحامل".

لم نعُد نطيق العيش معاً.. في خلال شهور تركني في منزلنا وحدي وأنا حامل في الشهر الرابع، لا أعلم ما مصيري ومصير الطفل الذي ينمو في أحشائي.

كنا كلما تحدثنا ذكر لي الشقة، وأنني أحاول الاستيلاء على الشقة.. كنت صغيرة وقتها ولا أفهم أن هذا الحديث يستخدم كوسيلة ضغط حتى يتمكن هو وأهله من مخططهم.

كان الحمل يثقل، وأنهار أكثر مع كل يوم يمر لا أعلم ما نهاية تلك القصة.

وبعد أربعة أشهر وأنا حامل في الشهر الثامن وجدت طَرقاً على الباب في الساعة السابعة صباحاً، ووجدته أمامي يعِد بأن هذه ستكون بداية جديدة لنا، ولكن يجب علينا ترك هذه الشقة التي تسببت لنا بالكثير من المتاعب، ويجب عليَّ أن أمنع أهلي من التدخل.. أمرني بأن أرتدي ملابسي.. في خلال دقائق وجدت ما لا يقل عن خمسة عشر رجلاً في شقتي: والده، أخوه، أقارب والدته، عمال.. في خلال ساعتين كان المنزل فارغاً من كل شيء.. "عفشي" (الذي اشتراه أهلي)، جميع مقتنياتي، أجهزة الحاسوب الخاصة بي، أوراقي، جميع ملابسي.. كل شيء.

اتفقت معه أنني متعبة وسأذهب لأستريح في بيت أهلي (كانوا هم وقتها بالخارج لظروف عمل والدي)، وسيتصل هو بي حين ينتهون من فرش الشقة الجديدة.. اتصلت به في ذلك اليوم وصرح بأنه سرقني وكان سعيداً جداً بالنصب عليّ قال لي: "شوفوا هترجعي حاجتك إزاي إنتو أصلاً مش كاتبين قائمة".. اسودّت الدنيا أمامي وانهارت بالفعل.. وجاء يوم مولد "هنا".. وكنت في أشد لحظات الحزن.. كانت كل زوجة بجانبها زوجها يدعمها ويشد على يدها، وأنا لا أعلم لماذا أنا؟ لماذا أنا اختار الله لي هذا الابتلاء؟ قبل دخولي غرفة العمليات قالت لي الممرضة التي لاحظت وجعي: "ادعي يا بنتي، ادعي قولي أي حاجة انتو روحين بين إيدين ربنا دلوقتي".. بعكس ما كنت أظن أني أتمنى.. لم أدّعِ أن يأتي.. لم أدّعِ أن يرده الله لي.. أتذكر دعوتي: "يا رب لو مصيري أكون أنا وبنتي لوحدنا قوّينيا وارضينا وعوضنا"، حين حملت هنا أول مرة بين يدي.. رددت لنفسي كثيراً جملة واحد: "this is the way it is meant to be, this is the way it is meant to be"، هكذا يجب أن يكون الأمر.. هكذا يجب أن يكون الأمر.

بعد ولادة هنا بشهور وحين تأكدت أن زوجي السابق وأهله اكتفوا بالمكاسب المادية، رفعت قضية الخلع، حين دخلت المحكمة يومها عاهدت نفسي على أن تغلق تلك الصفحة للأبد، وألا أتعامل مع نفسي أني ضحية، ولكن كناجية، وفي يوم وبعد أن انتهيت من إرضاع ابنتي ونامت (وهذا أمر للأمهات الجدد لو تعلمون عظيم).. فكرت في حلمي القديم، فوجدت نفسي أبحث على الإنترنت عن فرص لدراسة الماجستير، لم أكن أعلم إن كنت سأُقبل من الأساس أو من أين سأتي بتمويل دراستي؟

ولكن بعد المحنة تأتي المنحة.. كان تعويض الله عظيماً، تم قبولي في جامعة من أعلى جامعات العالم في مجالي، جامعة LSE.. تم قبولي ببرنامج الماجستير في دراسات التنمية… Development Studies.

أما بخصوص تمويل الدراسة، فلم أوفّق لمنحة واحدة، تم قبولي في منحتين شاملتين مصاريف الدراسة والإقامة؛ واحدة من هيئة بمصر، والأخرى من الجامعة، منحة Anne Bohm، فاخترت منحة الجامعة.

في ذلك الوقت أيضاً تم قبولي في برنامج الماجستير في الإدارة العامة (Public Administration) في الجامعة الأميركية بمصر، وتم قبولي في منحة يوسف جميل التي تغطي مصاريف الدراسة بشكل شامل وكأنها رسالة من الله: "أنت لم تخسري شيئاً".
اخترت أن أؤجل ماجستير LSE حتى تكون ابنتي أكبر سناً حين يحين السفر، وبدأت في دراسة الماجستير في الجامعة الأميركية بجانب عملي أيضاً.

كنت أحظى بدعم كبير من أهلي وإخوتي خاصة الذين كانوا يعتنون بهنا وقت محاضراتي، وكان أيضاً دعم أساتذتي كبيراً.

أتذكر أنه في يوم كان لديّ محاضرات مهمة ولم يكن أحد من المنزل ليعتني بهنا، فأخذتها معي وهي عمرها عامان فقط، وبعكس توقعي رحب بها أساتذتي وحتى الطلبة.

في العام الثاني في دراسة الماجستير في الجامعة الأميركية كان هناك فرصة للسفر لمدة فصل دراسي، كانت هنا وقتها ثلاث سنوات ونصف فقط، فكرت أنها فرصة جيدة لاختبار السفر بهنا قبل سفري للندن.

وكنت عاهدت نفسي ألا شيء سيعوق تفوقي أو انطلاقي أنا وهَنا، أشخاص كثيرة مقربة نصحتي ألا أسافر، وخاصة أنني لا أعرف البلد وليس لدي فيه أقارب أو أصدقاء، ولكنّ شخصاً طيباً أوصلني بأسرة مصرية في جنيف ساعدتني كثيراً في إيجاد سكن مناسب وحضانة لهَنَا.

كانت جنيف تجربة صعبة بالفعل، كنت أذهب في الصباح للجامعة ثم أعود لأخذ هنا من الحضانة نتناول وجبة الغداء التي أعددتها الليلة السابقة، وآخذ هَنَا تلعب في الحدائق العامة حتى أستطيع أن أذاكر وأقوم بكتابة أبحاثي، وبعد العودة للمنزل والانتهاء من أعمال المنزل وتنام هَنَا أكمل أنا مذاكرتي.

أتذكر أنه كانت هناك طاولة صغيرة في الشقة التي استأجرناها.. كنت أصل من التعب أنني أجلس عليها بكوب من القهوة عادة يترك حتى يبرد وأنظر للسقف.. لا أفعل شيئاً سوى النظر للسقف.. عشرون يوماً فقط فرقت بين عودتي من جنيف للقاهرة وسفري من القاهرة للندن.. واجهت بعض المعوقات في لندن بجانب صعوبة الدراسة.

كانت هناك مشكلة كبيرة في السكن؛ حيث إنه لم يكون من السهل أن يقبل أحد أن يسكن امرأة بطفلة صغيرة.. انتقلت أنا وهنا لخمسة منازل في خلال شهور.. كنت أنام فقط أربع ساعات حتى أتمكن من المذاكرة والاعتناء بصغيرتي.. ولكن الحمد لله تفوقت في الماجستيرين وتخرجت بتفوّق.

ما زلت في أول رحلتي أنا وهَنَا.. سفري بابنتي وحدنا في الخارج شجّعني أن أسافر بها في كل مكان في مصر.. صعدت هَنا جبل موسى وهي خمس سنوات فقط.. بمساعدة أصدقاء بالطبع ولكنها بطلة صغيرة.. تأتي معي للمعسكرات في الصحراء.. نسبح معاً.. نمارس اليوغا معاً..والكثير من الأنشطة المختلفة

يقولون عن هنا في المدرسة إنها تكبر عمرها بكثير.. لا أعلم الغيب ولكن أحمد الله كل يوم على اختيار الله لي ولابنتي.. أتذكر كثيراً بكائي في التاكسي وقلّة حيلتي.. ولكن "عَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" تأتي الكثير من النعم على هيئة نِقَم.. لو كان ردّ لي وقتها الـ5000 جنيه لما كنتُ حققت نصف حلمي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات عربي بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد