ربنا يسامحك يا حمزة… هذه هي الجملة التي خرجت من فمي حين سمعت "داري يا قلبي"، رغم أني في بداية الأمر قلت: "لن أسمعه، الولد ده هيقلبها غمّ، وكفانا ما فينا"، ولكن استسلمت، فما إن انتهت الأغنية حتى خرجتُ بكمية "شجن" لما وصلنا إليه، شجن يوقظنا من الغفلة؛ بل دعنا نقل إنه أقرب إلى الوصول لتلك اللحظة التي يسميها المسرحيون "لحظة التنوير"، التي تنكشف معها كل التفاصيل، ولكن أمعقولٌ أن هذا هو صاحب أغنية "احلم معايا"؟! يا له من "حزن مكشوف" فاضح مفضوح مهتوك الأستار!
فمن منّا لم يحزن على ما وصلنا إليه في عالمنا العربي؟ فالكل مجروح، والكل خسر، والكل تم تخوينه، والكل فقدَ حُلمه، والكل خرج ولم يعد.
ولكن المضحك في الموضوع، أن الناس نسيت ما وصلنا إليه وتفرَّغوا لكيل التهم لمن هتك الأستار الحصينة لهؤلاء الذين لا يريدون مواجهة الحقيقة.
حمزة نمرة "الواد ده إخوان!" وما يبثُّه من "سموم!" لهزيمة المصريين نفسياً في معركة البناء والتعمير، يجب علينا يا سادة أن نتخلص من ذلك الأكليشيه، ونتخلص من كل التهم التي نكيلها لأنفسنا.
ولكن، أنا عكس الناس في استماعي للأغنية وأعقد معي كثيراً، فتلك الأغنية الأعجوبة "داري يا قلبي" بها كمية كبيرة من الأمل "بتودع حلم كل يوم وتستفرد بيك الهموم"، أليست هذه دعوة للإفاقة من النوم والاستسلام والهزيمة والهروب من المواجهة لحالنا الذي بات يصعب على الكافر؟!
فمن منّا لم يودِّع حلماً؟ ومن منّا لم تغادره الرغبة في تحقيق شيء جميل؟ ومن منّا بات لديه قدرة على مواصلة النزال مع خصوم المستقبل؟
ولكن، ليس هنالك تفسير، ولا نستطيع أن نداري؛ لأننا مكشوفون بالحزن الذي بدا واضحاً على وجوه الجميع، وكل ما فعله المبدع حمزة نمرة أن وضع بصوته يده على الجرح، فهل نلوم الطبيب على وضع يده على الجرح أم نلوم أنفسنا على ترك الجرح بلا علاج إلى اليوم؟!
حمزة نمرة لم أكن من مستمعيه من قبلُ، ولكن من الواضح أن لديَّ أحلاماً لم أحققها؛ لهذا استقبلت ما قاله بعمقٍ، فقد لمس بأغنيته لديَّ ما حاولت إنكاره وكان صادقاً، أليس الفن يا صاح لحظة صدقٍ تتجلى في عمل من الأعمال؟ فهل يعيب المطرب أن يعكس المطلوب منه ويقول لنا الحقيقة؟ لماذا لا نخرج من متلازمة الطرب و"الفرفشة"؟ ألم تقف العرب يوماً على أطلالها وتغنَّت بها أجمل الأشعار؟
فما يعيب حمزة أن يقف على أطلالنا ويشجينا. وللمعلومية فقط، كل من سمعه ليس من مغرمي "الحزايني"، ولكن هو ذلك الأسى على ما حدث لنا، ككتاب التاريخ الذي يروي لنا المجازر في أكثر من نصفه.
أكان المطرب حمزة نمرة جميلاً ورائعاً لو غنى "يا ليل يا عين" وغرقنا في سكرة الوهم الجميل معه؟!
والعجيب رغم ذلك الهجوم الشديد عليه، تصل الأغنية مع أول أسبوع إلى أكثر من 10 ملايين مشاهَدة، وهذا رقم كبير، ومعناه أن "حزننا مكشوف".
بدا لي حمزة نمرة كبيراً في السن وشعره الأبيض الذي خطَّ على شعره وعلى كلماته حمله لهمّ كبير، ليكسر تلك الصورة للمطرب أيضاً، الذي من الواجب عليه أن يخرج مفتول العضلات جميلاً وسيماً وشاباً أنيقاً.
ولكن، نحن هذا الجيل الذي تبددت أحلامه وطارت مع دخان الهجرة، و"كلّوا كوم والغربة كوم"، يا لها من جملة عبقرية، بالتأكيد شعر بها كل مغترب، والتي أكلت لياليها الطويلة كثيراً منّا تحت عجلاتها، وما زال السفر مستمراً بعيداً عن أوطاننا
التي لم تعُد لنا سوى "أهلاً أهلاً.. سلام سلام".
بالتأكيد، الأغنية بها ألم كبير، وكنا نبحث عن كمية من الأمل تعيد لنا الإصرار على النزال في معركة الحياة، ولكن "إحساسك كل يوم يقل…"؛ بسبب ما نراه، ولكن قولوا لي بالله عليكم: كيف لمن يسمع نشرة التاسعة مساء أن يغني للمستقبل؟! هل هنالك ما يبعث على الأمل من جديد؟
ولكنها سنن الأولين، وبات حظنا أننا في دورة التاريخ المتأرجح اليوم في القاع؛
يقتل بعضنا بعضاً ويخوِّن بعضنا بعضاً… نكتب كل يوم إلى بريد الفشل ليسجلنا في قائمة الحضور اليومي، ثم نهزم أنفسنا بالضربة القاضية و"تستفرد بينا الهموم"، ثم بعد ذلك نقول: "مش ناقصين همّ" على أساس أننا في الفردوس المفقود!
المضحك أن الذين قيّموا العمل على أساس أنه "من الضفة الأخرى"، رغم أنه دائماً ما يؤكد أنه انحاز إلى الإنسان أينما كان، ولكن يجب علينا ألا ننسى أننا في زمن الاستقطاب، ويجب أن نقول ملاحظة مهمة في هذا السياق: "حين تتعاطى الفن يجب عليك أن تنسى ميولك السياسية، أن تنسى كل شيء سوى أنك إنسان، إنسان وفقط
إنسان يشاهد المسرح، يسمع الموسيقى، يقرأ الرواية والقصة ويشاهد اللوحة، تجرَّد لترى الصورة صحيحة وكاملة".
كم نعاني نحن الشباب العربي، كنّا نتمنى أن يسمع شجننا أحد، ذلك الشجن الذي كبر
وكبرت معه أعمارنا، ولكن من الواضح أن ذلك العنوان الذي وضع "داري يا قلبي" لم يكن متناسباً مع ذلك البوح، فلم نستطع أن نداري ذلك الهمّ الكبير، الهمّ الكبير الذي تسرَّب إلينا حتى وصلنا إلى "قافل على قلبك باب".
شكراً حمزة نمرة، ولفريق العمل الرائع الذي أخرج لنا تلك الرائعة المهمة التي تعكس بصدقٍ، حالنا اليوم، فطوبى لنا ولكل من ودّع في الصورة الوطنَ والأهلَ والصحابَ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.