لماذا نحن غير قَادرين على استيعاب فِكر عبد الله العروي؟

لقد أنجبَ لنا المغرب قامات فكرية عظيمة تركت إرثاً لا يُضاهى ولا يُداس، ولعلَّ أبرزهم المفكر العظيم "عبد الله العروي"، وُلد "عبد الله العروي" سنة 1933 بمنطقة أزمور.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/17 الساعة 02:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/17 الساعة 02:27 بتوقيت غرينتش

لقد أنجبَ لنا المغرب قامات فكرية عظيمة تركت إرثاً لا يُضاهى ولا يُداس، ولعلَّ أبرزهم المفكر العظيم "عبد الله العروي"، وُلد "عبد الله العروي" سنة 1933 بمنطقة أزمور.

لقد كان عبد الله العروي يعاني من مشكلات فكرية خطيرة؛ لأنَّه كان في ارتباط دائم بالقرن الثامن عشر، هذا القرن هو القفزة التاريخية التي غيّرت أوروبا بكاملها، ففي هذا القرن تم إحداث قطيعة مع الماضي ومع التاريخ أيضاً.

عبد الله العروي كان يفكِّرُ ملياً في إعادة سيناريو القرن الثامن في المغرب خاصة، والعالم العربي عامةً.

إنَّ القرن الثامن قد طرحَ مُشكلات عديدة، وهذه المُشكلات هي التي ساهمت في تطوير الفكر الأوروبي.

هذا القرن ليس مرحلة زمنية مرّت مرورَ الكرام فقط، بل كان التواء كبير عرفتهُ البشرية.

القرن الثامن عشر هو قطيعةٌ رسميةٌ مع التقليد ومع الماضي. وجاء هذا القرن بعدة مفاهيم جديدة كانت ضد مفاهيم الماضي، نذكرُ منها: العقلانية ضد التقليد، الحرية ضد العبودية، الإخاء ضد الأحقاد..

عبد الله العروي في كتابه "الأيديولوجيا العربية المعاصرة" يطرحُ مسألة أفق القرن الثامن عشر. عبد الله العروي لم يستطِع أحدٌ من العرب فهمهُ والسبب واضح وهو المَوقع الذي قُرِأَ منه هذا الكتاب هو موقعُ التقليد.

والعائق الأكبر أمام القرن الثامن عشر حسب عبد الله العروي هو الفكر التقليدي السلفي.

إنَّ كتاب "الأيديولوجيا العربية المعاصرة" بصريح العبارة هو محاولةٌ جادَّة للحديثِ عن الأنوار والخروجِ من التقليد والعقيدة والمَذهب.

عبد الله العروي يقدِّمُ وصفاً جميلاً للقرن الثامن عشر، في هذا القرن تم تأسيس مبحث الأنوار. يقول عبد الله العروي: "نودِّع المطلقات جميعها، نكفُّ عن الاعتقادِ أنَّ النموذج الإنساني وراءنا لا أمامنا، وأنَّ كل تقدمٍ إنما هو في جوهره تجسيدٌ لأشباحِ الماضي وأنَّ العلم تأويلٌ لأقوالِ العارفين وأنَّ العمل الإنساني يعيدُ ما كانَ ولا يبدعُ ما لم يكن".

العروي هنا أفصح عما في جعبته من أفكار، وكان همُّهُ الأساسي الذي يتضحُ لنا من خلال هذه القولة أنَّ عبد الله العروي يسعى جاهداً للقطيعة مع الماضي واستقلال فكرهِ وأيديولوجيته؛ لأن العقيدة والتقليد والمذهب هي عائق أمامَ الفكر التنويري والحداثة.

منذ صُدور كتاب "الأيديولوجيا العربية المعاصرة" سنة 1967 صارت الحداثة هي الخيط النَّاظم والفكرة المِحورية التي يدورُ حولها فكره كله والتي يتم فحصها وتقليب مختلف عناصرها وأوجهها، لقد أكد عبد الله العروي على أهميّة تنمية الحداثة كركيزة مركزية يتمحور حولها مشروعهُ الفكري، ويقولُ في هذا الصدد: "إنَّ ما كتبت إلى الآن يمثلُ فصولاً بالمدلولين الزمني والمكاني من مؤلف واحد حول مفهوم الحداثة"؛ لأنَّ الكتب التي أصدرها حول المفاهيم الأيديولوجيا، الدولة، الحرية، التاريخ، العقل.

ليست إلاَّ بغرضِ تعميق النقاش كما أنَّها تندرجُ في نطاق مفهوم شامل ومُهيمن على الكل هو بالطبع مفهوم الحداثة.

العروي منذ بداياته كان ينتجُ المفاهيم: الأيديولوجيا، أنموذجاً، الأقصوصة… من خلال هذه المفاهيم نفهم أنَّ العروي كان يسعى للخروجِ من قوقعةِ المألوف والانفتاحِ على أشياءَ أخرى.

يَعتَبِرُ العروي أنَّ الحداثة موجة كاسحة، وأنَّ العومَ ضدها مخاطرة؛ حيث "لا يمكنُ معارضة الحداثة إلاَّ بتجاوزها ولا يمكنُ تجاوزها إلا باستيعابها".

يتسمُ القرن الثامن عشر بميزة هامة وهي الكونية، بمعنى أنَّ الأنوار هي مسألة كونية تعني الجَميع، وتهمُّ جميع بلدان العالم دون الاكتراث للدين أو المُعتقد.

منذ صدور كتاب "الأيديولوجيا العربية المُعاصرة" لم يستطِع المغاربة قراءته خلال فترة أواخر الستينات وبداية السبعينات نظراً لماركسيتهم المتوحشة حيث كانوا ينادون بأهم رموز وأيقونات الماركسية: كارل ماركس، إِنجلز، لينين، ستالين.

وحتى جيل القرن الواحد والعشرين لم يستطع فهم هذا الكتاب واستيعابه ويرجع السببُ بالأساس النزعة الإسلامية التي طغت عليهم.

عبد الله العروي أينما حلَّ وارتحل يؤكد -وبإقرار- أنَّ هذا الكتاب لم يستطِع أحد من العرب فهم ما يريدُ العروي إيصاله؛ لأنَّ فكرة التقليد والمذهب وكلُّ ما هو آتٍ من الماضي تغلبُ علينا.

إذا أردنا فهم "الأيديولوجيا العربية المعاصرة" يجبُ علينا التشبُّع بفكر الأنوار والحداثة بالأساس، كيف لا وموضوع هذا الكتاب يرمي إلى الحداثة والتنوير كركيزة أساسية؟!

كثيراً ما تم طرحُ سؤالٍ شائك: لماذا تأخر العرب وتقدَّم الغرب؟
إنَّ هذا السؤال هو الانطلاقة الفِعلية للأنوار والحداثة. عبد الله العروي يرجعُ السبب إلى تقدم الغرب وتأخرِ العرب هو أنَّ المثقف العربي لم يقمْ بدورهِ على أكملِ وجه، دور المثقف العربي هو نشرُ الفكر الليبرالي.

يمكنُ القول إنَّ العروي كان في فترة 1967، ولكن فكره مرتبط بالقرن الثامن عشر. هذا ما نفهمهُ من خلال كتابه "الأيديولوجيا العربية المعاصرة"، فلن يستطيع أيُّ مفكر عربي في الوقت الراهن أو مستقبلاً كتابة كتاب كالأيديولوجيا العربية المعاصرة؛ لأنَّ العروي كان يفهم ويدري ما يقول، أمَّا من يود تأليف كتاب مثل هذا النوع فيجبُ عليه أن يضع نُصب عينيه فكر الأنوار وروح الأنوار، ويجب عليه أيضاً التحلِّي بمبدأ الحداثة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد