اقترب الشهر الكريم، الذي ارتبط في الأذهان بالعبادة والصلاة وقراءة القرآن، إلا أننا ننتظر كل عامٍ مفاجآت إعلانات رمضان، وتستعد الشركات الكبرى بابتكار إعلانات مميزة تجذب أنظار الناس، وتظل عالقة بأذهانهم طوال الشهر، وكذلك تحرص الشركات على الاستعانة بالمشاهير من النجوم، الذين يصورون الآن مسلسلات رمضان، ونصبح في زخمٍ من رؤية الفنان بالمسلسل وفي الفاصل بوجوده في الإعلانات، وتكتب الصحف أجور الفنانين التي تتعدى 6 أصفار، في الإعلان الذي لا يتعدى بضع دقائق.
وكذلك، تستعد الجمعيات الخيرية والمجتمع المدني، بعمل إعلانات تمس القلوب، وتشجع المتبرعين على إنقاذ الأطفال والكبار وإيواء القرى الفقيرة، والجملة الشهيرة "اتبرع ولو بجنيه"، فنرى أنفسنا بين شقَّين من الإعلانات؛ شق يدعوك لـ"الفشخرة" وأن تعيش في الجنة وأنت على قيد الحياة، وشق يدعوك إلى التبرع والوعد بالجنة في الآخرة.
لا شك في أن الإعلانات التلفزيونية من أهم العوامل التي تساعد على الحث على شراء المنتج، وتسليط الضوء عليه، وبرمجة عقلك الباطن على أنه أجمل منتج ولا يمكن الاستغناء عنه، كذلك فإنه في بعض الأحيان يوهمك بأنك لست على قيد الحياة بما أنك لا تمتلك هذا المنتج، فنرى شركات الاتصالات المختلفة تصدر لك عروضاً يضارب بعضها بعضاً، فتجد الشخص العادي؛ بل ربما الأقل من العادي يمتلك 3 خطوط مختلفة، لشركات الاتصالات المختلفة، ولكن هذا ليس موضوعنا، إنما موضوعنا هو: من هو البطل.. الفكرة أم المنفِّذ؟ بمعنى آخر: هل أنت (نعم، أنت وأنا) تشتري المنتج لمميزاته أم لأن شخصاً مشهوراً يقدمه؟!
عن نفسي سأتكلم عن عدة أشياء:
أولاً: "المياه الغازية"، هل نشربها لأن طعمها حلو أم لأن فلاناً المشهور يعمل إعلانها؟
سنجد إجابة الشخص الطبيعي أنه عندما يحتاج إلى الشيء يذهب ويشتريه، الإعلان ما هو إلا وسيلة للمفاضلة بين المميزات الخاصة بكل منتج، والفكرة هي سيدة الموقف، أما ممثل الفكرة فهو عنصر ثانوي وليس أساسياً في الموضوع، ونضرب مثالاً على ذلك:
هلا نجد في كثير من الأعمال الممثلين أنفسهم إلا أن عملاً يفرق عن الآخر بأن عملاً يكون ناجحاً وعمل آخر لا يحقق النجاح نفسه، على الرغم من كون الشخص واحداً إلا أن الفكرة مختلفة.
لذلك، نؤكد أن الفكرة أهم من الشخص ذاته (وهي عملية مفاضلة فقط في الأولويات، وليست تهميشاً أو إهداراً لعنصر دون آخر).
ما علاقة ذلك برمضان وإعلاناته؟
العلاقة أننا يحدث لنا "شيزوفرينيا" في رمضان من الإعلانات، وبالأخص إعلانات شركات الاتصالات وشركات المياه الغازية، وشركات الإسكانات الفارهة، وشركات العربيات الغالية، التي يُستعان فيها بكبار المشاهير الذين تتعدى أجورهم الستة أصفاراً وبين إعلانات "إتبرع ولو بجنيه"، نحن جميعاً نتذكر أنه في أحد الأعوام قامت إحدى الشركات بعمل تصويت بأنها سوف توجه أموالها لأحد فروع الخير؛ إما الكساء وإما التعليم وإما الإطعام.
هذه الفكرة هي فكرة التكافل بدلاً من الاستعانة بالمشاهير وإعطائهم مبالغ وهمية، يمكن الاستعانة بفكرة أكثر عمقاً وأقوى تأثيراً، مما يجعل الإعلان يحقق هدفه.
وأظن أن الإنسان السوي سوف يقْدم على المنتج لمميزاته ولتلبية احتياجاته، وتوجيه الجانب الأكبر من الأموال إلى مكانها الصحيح، هذه هي فكرة التكافل؛ أن المواطن الذى يتبرع بالجنيه، سيجعله اثنين وأضعافاً إن رأى كل ما حوله يصب في الهدف نفسه، هدف التكافل، أما إن ظل الموقف كما هو فسيزيد اشمئزاز الشعب، وربما تكون دعاية مضادة للمنتج.
ما زال أمام الشركات وقت للبحث عن فكرة التكافل، بعيداً عن المشاهير.
ونأمل ألا نحيا في الشيزوفرينيا السنوية الرمضانية نفسها؛ بسبب إعلانات الغنى والفقر.. ودمتم بخير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.