الدراما من الداخل

ولكن لماذا إذا كنا غير واعين لأسس ومبادئ الدراما؟ هل سأل أحدنا نفسه ما علاقة القصة مع التصوير مع الديكور مع الحبكة والشخصيات؟ كيف تتحول عناصر العمل إلى كل يعبر عن نفسه؟ نحن العرب الذين قلما ندرس الدراما في المدارس الحكومية بحاجة ماسة لهذه الثقافة وهذا العلم العصري الذي يدخل كل الأبواب في كل البيوت.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/17 الساعة 02:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/17 الساعة 02:28 بتوقيت غرينتش

إذا سألت طالباً في الابتدائية ممن يدرسون الدراما، لماذا تدرس الدراما؟ فإنه سيعطيك إجابة وافية، في نهايتها القدرة على التمثيل.

هل توقفنا نحن لحظة لنسأل أنفسنا لماذا نتابع الدراما ونشاهدها ليل نهار وقد أصبحت أحياناً ثقافة لا يمكن الاستغناء عنها؟

ولكن لماذا إذا كنا غير واعين لأسس ومبادئ الدراما؟ هل سأل أحدنا نفسه ما علاقة القصة مع التصوير مع الديكور مع الحبكة والشخصيات؟ كيف تتحول عناصر العمل إلى كل يعبر عن نفسه؟ نحن العرب الذين قلما ندرس الدراما في المدارس الحكومية بحاجة ماسة لهذه الثقافة وهذا العلم العصري الذي يدخل كل الأبواب في كل البيوت.

لا يمكن اعتبار الدراما إلا صنفاً مميزاً من أصناف التعبير، لكن هذا الصنف له مخاطره التي لا يمكن إغفالها. فليس دائماً يكون الكاتب في حالة تواقة إلى محاكاة الواقع، وربما يأتي بأحداث ومداخلات وحواديث لا يمكن أن تحصل في الواقع.

يبدأ هنا شيئان متناقضان بالصراع؛ الواقع والاكتشاف، فنحن نتابع الأحداث لنكتشف أشياء لا يمكن أن تمر معنا في حياتنا فنزداد معرفة ودراية، وقلما يتساءل الإنسان: هل يمكن لهذا أن يحدث؟ وحتى لو كانت القصة حقيقية فإنها ربما تختلف عن السيناريو والحوار وطريقة التمثيل المقدمة في العمل.

هل يقدم الممثلون حقائق أم ترفيه؟ والمشاهد الكوميدية بما فيها ربما تحول الإنسان إلى مسخ إذا رسخت في عقله الباطن أنها احتمالات ممكنة للتصرف والسلوك وإذا حملها محملاً جاداً.

إن خطورة الدراما هي أنها تعطي مواقف غير مستقرة واقعياً إذا حاول أحد تطبيقها أو بالأحرى إعادة تكوينها.

قد تتحول إلى وضع متفجر اجتماعياً، وقد تقود الإنسان إلى ما لا تحمد عقباه، إن الخطورة هي أن يصبح تفكيرنا درامياً، ونتصرف على هذا الأساس وكأننا في مسلسل.

الذين يعيبون على الناس أسلوبهم في الحوار ربما تأثروا كثيراً بالدراما وحوارها؛ حيث كل كلمة لها وظيفتها في خدمة الحبكة (نظرياً على أقل تقدير).

والأنكى أن يحافظ رب الأسرة على تشويق مرعب في أسرته. من الممكن أن تتسلى بالدراما لكن أن تعيشها فهذا شيء يمكن أن يكون قاتلاً.

إن الإنسان في الحياة الواقعية يسعى إلى إنهاء حلقة التشويق بأي طريقة ممكنة، في المسلسلات يلعب المؤلف لعبته.

أما في الحياة الواقعية فيلعب القدر لعبته في كثير من الأحيان، وأحياناً يلجأ الإنسان إلى أقصى وأقسى درجات العنف لإنهاء الحبكة ووضع حد لكل شيء.

إن تصرّف الناس في المسلسلات يختلف عن تصرفهم في الحياة الواقعية؛ لأنه في الدراما ملء لفراغ أما الواقع فهو حياة.

الواقع يختلف عن المسلسلات، والناس لا يديرون تفاصيل حياتهم بسيناريو وحوار مشوق، بل من الممكن أن يقوم الإنسان بأشياء ليس لها معانٍ أو أغراض، وربما ليس لها أي قيمة.

هناك أنماط للمحاكاة تعتمد على ماذا تحاكي؟ (كلام جرائد) أو (نشرة أخبار) أو (مسلسل) أو (الواقع).

هذه الأنماط ليست قسرية، وربما يجد آخرون أنماطاً أخرى، لكن إذا تداخلت الأنماط يحصل خلل ويظهر واضحاً.

لكل فسحة زمنية وحيز مكاني خصوصيته إذا حاولت أن تفرض عليه خصوصية أخرى ستوصف بالاصطناع وربما بعدم الاتزان.

الدراما العربية تقدم لنا حالات وشخصيات كاريكاتورية (الحب والمحبين على امتداد التاريخ الدرامي)، وهي دائماً تبحث عن الأبطال، ودائماً الصراع بين الخير والشر، ودائماً الشرطة على أهبة الاستعداد للقبض على الشرير وبانتظاره.

شخصيات ومشاعر بلاستيكية، وحوارات (حشو كلام)، وأبطال تعرف كل شيء ومستعدة لكل شيء.

إنها تطمئننا أن الأشياء غير الموجودة في حياتنا الواقعية يمكن أن توجد، ولكن نحن لا (نفهمها) بشكل صحيح.

في الواقع يمكن تحقيق أي شيء وحتى المستحيل إذا استخدمت الأسلوب والمعرفة الصحيحين. هناك حالات واقعية لا يمكن محاكاتها حتى في الأفلام إذا لم يعرف، لماذا حصلت الأمور بتلك الطريقة؟ وكيف حصلت التفاصيل بدقة؛ لأن النتيجة غير مقنعة وحققت المستحيل (مثل انتصار الضعيف على القوي).

الإشكالية إنه إذا كان هناك أي خلل في التسلسل الواقعي للأحداث، فإن القصة بكاملها تكون تافهة مهما كانت جميلة ومسلية؛ لذلك نحن نحرص في تصرفاتنا اليومية أن تكون ضمن منطق وسياق معين حتى نحصل على النتائج المرجوة (إذا لم يكن هناك أي طريقة أخرى للحصول عليها).

إننا في حياتنا نسلك مسارات غير درامية للحصول على ما نريد؛ لأن المسارات الدرامية في الحياة متعبة وشاقة ويصعب المحافظة عليها، وقد تفشل لأسباب تافهة وواهية.

قد يمر حدث واحد يسم المسيرة كلها بسمة معينة، ويجعل الناس تأخذ موقفاً معيناً، وهنا تبرز معضلة (التحكم) و(السيطرة).

وهناك خطورة في الدراما هي في أن نتصرف في الواقع كممثلين أو مشاهدين أو مخرجين، فنصبح نعلق على كل شيء هذا جائز وهذا غير جائز، هذا يعمل كذا وذاك يعمل كذا، وطبعاً في الواقع تصرف الناس يختلف عن تصرف الممثلين وسينتهون إلى لا شيء.

إذا كان الشخص الذي يتصرف في الواقع كمخرج لا يعنينا، فإن مآله الإهمال والعزل، أما إذا كان يعنينا ويهمنا رأيه ننتهي إلى تعاسة دائمة.

الدراما شيء نراه ونحس به، ولكن هل هو ممكن عملياً في الواقع؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد