الباب الذي لا يُغلق أبداً

طرقت بيدها على الباب مرة تلو أخرى، ثم سقطت أمامه تبكي، ثم فجأة سمعت صوت عصا على تلك السلالم الهرمة كروحها، صوت أحدهم يصعد لم تستطع الوقوف، هي ترتعش بكل ما فيها حتى صوتها وكلماتها متلعثمة، لا تعني شيئاً، ثم جاءت كلمات أحدهم من خلفها: "أكانت طرقتي الباب هذا تكفيانكِ؟ والله إنكِ لبخيلة"، التفتت لترى امرأة إنها يوماً كانت جميلة وما زالت لولا ساقيها التي لا تساعدانها على الوقوف، وعينيها اللتين يبدو أن ضوءهما انطفأ، فاتخذت من العصا مُتكًأ بصوت خافت ومرتعش، منها "كيف تتهمينني بالبخل؟".

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/17 الساعة 02:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/17 الساعة 02:27 بتوقيت غرينتش

طرقت بيدها على الباب مرة تلو أخرى، ثم سقطت أمامه تبكي، ثم فجأة سمعت صوت عصا على تلك السلالم الهرمة كروحها، صوت أحدهم يصعد لم تستطع الوقوف، هي ترتعش بكل ما فيها حتى صوتها وكلماتها متلعثمة، لا تعني شيئاً، ثم جاءت كلمات أحدهم من خلفها: "أكانت طرقتي الباب هذا تكفيانكِ؟ والله إنكِ لبخيلة"، التفتت لترى امرأة إنها يوماً كانت جميلة وما زالت لولا ساقيها التي لا تساعدانها على الوقوف، وعينيها اللتين يبدو أن ضوءهما انطفأ، فاتخذت من العصا مُتكًأ بصوت خافت ومرتعش، منها "كيف تتهمينني بالبخل؟".

ضحكت السيدة كما لم تضحك يوماً، ثم قالت باستهزاء: "ألم أقل لكِ بخيلة؟ كل ما أهمكِ من كلماتي نظرتي لكِ أنتِ عمياء وعاجزة كتلك العينين والساقين التي أملكها".

بكت الفتاة وصرخت بوجهها: "أنتِ لا تعلمين ما بي؟ ولا تعرفينني ابتعدي عني"، تنهدت السيدة بهدوء، ثم قالت: "أفقدتِ ساقيكِ يا فتاة أم عينيكِ أم ماذا؟ هكذا هو البخيل على نفسه لن يجد مَن يغنيه، كيف وهو محروم؟ ووالله هذا المحروم هو الذي حرم نفسه بنفسه لا آخر، أنتِ لم تدركي بعد من أنا ومن أنتِ وما هذا الباب؟ أليس كذلك؟ على كل حال الكل يرحل حتى أنتِ، أما الباب فهو باقٍ، إما أن يكون لكِ يوماً منه نصيب وتركنين عليه، وإما ترحلين عنه فيرحل عنكِ، وتموتين محرومة، يا فتاة كل ما عليكِ هو فقط طرق هذا الباب لتعلمي ما بكِ، فهو يعلم وأنا وأنتِ لا نعلم؛ لتجدي الدواء والملاذ، لتركني قليلاً فإذا آواكِ فلا مأوى بعده، وإذا سألتِ فمن يجيبك غيره، وإذا عجزتِ فمن يقويكِ سواه، هذا الباب إذا مللتِ منه ملّ منكِ وغضب، هذا الباب لا تعلمين ما خلفه لو فقط تعلمين ما أعلم عنه لما كنتِ الآن تزحزحين ساقيكِ، وأنا هنا أتكئ على عصاي، ولي أيضًا فيها مآرب أخرى، ولا ترين شيئاً إلا الظلام، وأنا أرى الطيور والزهور والأنوار. ماذا الآن؟ أعلمتِ لماذا أنتِ بخيلة؟ أعلمتِ ماذا تستحقين؟".

قالت الفتاة: "لكنه لم يُفتح لي ولن، أنا سيئة" وبكت، قالت السيدة: "كلنا سيئون ولو كان الباب يفتح بمدى جمالنا فهو لن يفتح أبداً، هذا الباب يُفتح للسيئ قبل الجيد، سيده يقول كل ليلة: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ يا عبادي إني مُجيب قريب"، أغمضت الفتاة عينيها ثم وضعت يديها على الباب وبدأت بالطرق، وكلما زادت قوي صوتها وهدأت روحها، أما ساقاها فردت روحهما إليهما ظلت على هذا الحال مغمضة العينين حتى سمعت هذا الصوت العذب: "اللَّه أكبر، اللَّه أكبر" خرجت من شفتيها كلمتتن، هو حقا كذلك، رحلت السيدة ولم تشعر هي بها، ولم تسمع صوت العصا، ثم فتح الباب ليقول لها رجل: "اتخذي لكِ ركنًا يا فتاة، وخذي هذا المفتاح لتغلقي خلفكِ، واتركيه لأجلي جانباً، وأسرعي لتنالي رزقكِ".

أدخلت الفتاة قدماً بعد أخرى في عناء وجلست فأغمضت عينيها، ثم قالت: "اللهم إني أحبك يا الله فأحبني، وإني عمياء فأبصرني، وإني عاجزة فقوّني، واجعل بابك ملاذي، وهب لي متكأ".

على الجانب الآخر كانت السيدة تجلس في ركنها المعتاد تبكي، وتقول ككل يوم: "واغفر لي لألقاك".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد