عن الفالنتاين وأشياء أخرى

قبل عدة أيام في عيد الحب، أوصلت ابنتي لمدرستها ثم توجهت لمقهى اعتدت أن أدرس فيه وتسوقت قبل رجولي للبيت، لا شيء استثنائي .. فالناس هنا لا يحتفلون بشكل هستيري بهذا اليوم، لأنهم تعلموا أن يحبوا أنفسهم أولا ثم أن يشاركوا حبهم مع من حولهم، لا أحد يدخل في علاقة غير مقتنع فيها حتى لا يسمى وحيدا، أو يستمر في علاقة رغم غياب التفاهم والحب حتى لا يسمى فاشلا. الناس هنا تعلموا من حبهم لأنفسهم أن لا يخافوا من الفشل.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/17 الساعة 02:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/17 الساعة 02:31 بتوقيت غرينتش

قبل عدة أيام في عيد الحب، أوصلت ابنتي لمدرستها ثم توجهت لمقهى اعتدت أن أدرس فيه وتسوقت قبل رجولي للبيت، لا شيء استثنائي .. فالناس هنا لا يحتفلون بشكل هستيري بهذا اليوم، لأنهم تعلموا أن يحبوا أنفسهم أولا ثم أن يشاركوا حبهم مع من حولهم، لا أحد يدخل في علاقة غير مقتنع فيها حتى لا يسمى وحيدا، أو يستمر في علاقة رغم غياب التفاهم والحب حتى لا يسمى فاشلا. الناس هنا تعلموا من حبهم لأنفسهم أن لا يخافوا من الفشل.

أما في بلادنا، فبقدر الدماء الحمراء التي سفكت، والأحزان التي عيشت، بقدر آلامنا وآثارها التي لم تزل، نصر أن نحول كل شيء للأحمر في هذا اليوم، كأننا لم نكتف من أوجاعنا الدموية الحمراء، فتنتعش تجارة الورود والدببة والملابس الحمراء، وتمتلئ المقاهي والمطاعم عن آخرها، ويبتسم الجميع. كأننا في هذا اليوم نأخذ تلقيح الحب الذي سيبقينا صامدون لسنة أخرى رغم ما مررنا ونمر به.

نحن لا نحتاج ليوم للحب وإنما للحب نفسه، في مجتمعاتنا تكبر الفتاة مع إحساس النقص الذي لن يملأه إلا وجود زوج بجانبها لأنها لم تحب بالفتحة فوق الحاء، ولم تتعلم الحب، لم تتعلم أن تحب نفسها وأن تكمل نفسها بنفسها، تجد فتى أحلامها أو ترتبط بمن وجدته في طريق أحلامها حتى وإن لم يناسبها أو لم تحبه، ويعجزان أن ينضجا مشاعرهما معا لأنهما لم يتعلما ما الحب، لم يعلما أن الحب أن يمشيا في طريقهما معا، أن يدعم أحدهما الآخر، أن يسقطا وينهضا معا، أن ينبض قلبيهما معا دون أن ينصهرا، أن يحترم كل منهما حياة وشخصية الآخر، أن يكونا مختلفين رغم اتحادهما، أن يبقيا اثنين رغم كونهما واحدا، الحب كل ذلك وأكثر. لا أن يستغل الطرف الأقوى بينهما الأضعف ويسمى الأخير مضحيا، صابرا مكافحا تعلق له النياشين في يوم الحب ثم يعذب طيلة سنة بعدها.

يرزقان بعدها بأبناء يحبانهم بطريقتهم دون أن يعرفان لحب الأولاد اللامشروط سبيلا، فيربطان حبهم بطاعتهم، بنجاحهم والسير في طريقهم. ثم نورث حبنا المعاق جيلا بعد جيل، فنرى العنف في البيوت والمدارس والطرقات، نرى الغيرة والحقد والضغينة بين الجميع، رغم كثرة أغاني ومسلسلات العشق والهيام ننشىء جيلا مريضا عاطفيا، لا يعرف كيف يحب دون أن يسيطر أو يضحي بنفسه، والأمر من ذلك لا يعرف كيف يحب نفسه فيمشي في طريقه بدون دليل، اختياراته في الحياة لا تكون نابعة من حبه وإنما محض صدفة أو حسابات، فيعمل فيما لا يحب ويرتبط بمن لا يحب ويختار ما لا يحب، فيتشوه نفسيا وأخلاقيا، يعجز عن العطاء والإخلاص والإتقان في كل نواحي حياته، لأنه لم يتعلم أن يحب نفسه ويحب الجميع، لم يتعلم أنه إن أحب نفسه سيزدهر ويعطي ويحب الخير للجميع.
نحن قوم لا نعرف للحب سبيلا إلا في يوم الحب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد