الحبّ والظلال أو إيزابيل الليندي: مرايا متقابلة وصور مشوهة

أسئلة ربّما تطرحها مراهقة ما في هذا العالم وإجابات لأمّ رأت الشغف يتراقص بين عيني ابنتها ولكن ماذا لو رأينا الحبّ بعيني إيزابيل الليندي هذه الكاتبة الماهرة التي استطاعت أن تأسر قراءها وتحيلهم إلى كائنات عاطفية جدّا يكملون رواياتها ويهتفون في سعادة غامرة: يحيا الحبّ!

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/16 الساعة 09:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/16 الساعة 09:27 بتوقيت غرينتش

ما الحبّ يا أمّي تسأل مراهقة أمها في وجل؟ ما الحبّ الذي جعل قلبي يخفق بشدّة ووجنتيّ تعلوهما حمرة الخجل؟ ما الحبّ يا أمي الذي جعلني مثل قشة في مهبّ الريح؟

الحبّ يا صغيرتي لغز هذا الكون .. لا يمكن أن نعرفه بل يجب أن نعيشه ونغوص في كلّ تفاصيله، فقط ابحثي عنه واعثري على توأم روحك، أكملي معه الطريق ليبيض شعرك معه ولتتقاسما الحياة سويّا وإن حدث وأن متّ قبله أوصيك يا ابنتي أن تجعلي القبر مثل قلبك مفتوحا له حتى لحظة اللقاء.

أسئلة ربّما تطرحها مراهقة ما في هذا العالم وإجابات لأمّ رأت الشغف يتراقص بين عيني ابنتها ولكن ماذا لو رأينا الحبّ بعيني إيزابيل الليندي هذه الكاتبة الماهرة التي استطاعت أن تأسر قراءها وتحيلهم إلى كائنات عاطفية جدّا يكملون رواياتها ويهتفون في سعادة غامرة: يحيا الحبّ!

إنّها كاتبة جعلت من الحبّ الكوجيتو الذي يحقق كينونة الفرد، أنت تحبّ إذن أنت موجود.

من ربوع التشيلي تعود أصول إيزابيل الليندي المولودة في سنة 1942 تنقلت بين عدد من الدول بعد نفيها صحبة عائلتها إلى فنزويلا بعد الإنقلاب العسكري على سيلفادور الليندي الرئيس السابق للتشيلي والذي تجمع بينهما قرابة، أصدرت قرابة عشرين كتابا ترجمت أعمالها إلى لغات كثيرة وبيعت أكثر من 65 مليون نسخة من كتبها، تمّ تحويل بعض رواياتها إلى أفلام، تصنف أعمالها ضمن مدرسة الواقعية السحرية التي انتمى لها غابرييل غارسيا ماركيز وقد عانت كثيرا من مقارنة النقاد لأعمالها وأعمال ماركيز، حققت شهرة عالمية كبيرة نظرا لأعمالها المتميزة أو لسيرتها المتفردة.

إيزابيل الليندي كاتبة مختلفة وإمرأة أيضا متميزة، عرفت بتمردها على السلطة الذكورية مطلع شبابها، سواء على الميدان فقد قادت مسيرات نسوية وانضمت أيضا إلى مجلة تعنى بقضايا المرأة "مجلة بولا" وكانت إحدى المؤسسات، ثم بعد الإنقلاب العسكري الذي قاده الجنرال أوغستو بينوشيه، انضمت إلى صفوف المعارضة وفضحت ممارسات الاستبداد السياسي.

من فصول الإنقلاب والإستبداد الذي عاشته التشيلي تكتب إيزابيل الليندي رائعتها "الحبّ والظلال" رواية استطاعت أن تنقل وجع المظلومين والمضطهدين من الحكم الفاشي، من مقبرة جماعية في بلدة لونكين بدأت قصة الكفاح ضدّ الحكم العسكري من خلال شخصية صحفية ومصور تعود أصوله إلى عائلة شيوعية من اسبانيا فرت منها بعد حكم فرانكو كشفا سرّ هذه المقبرة ومدى الظلم الذي يتعرض له المسحوقين والمفقرين في تشيلي بينوشيه.

ولدت قصة الحبّ بين صحفية من عائلة ارستقراطية تشيلية ومصور من أصول اسبانية لم تمنعهما الفروق الطبقية من التمسك بحبهما الذي جعلهما ينظر إلى الحياة بعين أخرى، الحرية والكرامة حتى ولو كلفهما هذا الأمر حياتهما أو المنفى، رواية الحبّ والظلال إنّها تلك المرايا المتقابلة بين الموت والحياة والحبّ، وتلك الصور المشوهة من الديكتاتورية والظلم التي تعرض لها الإنسان التشيلي.

ليس غريبا على إيزابيل الليندي أن تكتب بقلبها لا بقلمها، إنّها كائن عاطفي يقتات بالحبّ رغم ظلمات القمع والظلم والديكتاتورية فأغلب أعمالها تدور في عوالم متشابهة ورغم ذلك لا يفقد القارئ تشويقه وعشقه لهذه الكاتبة المتفردة، الحبّ والظلال، ابنة الحظ، باولا وغيرها من الأعمال، لقد من أضفت على شخصيات أعمالها مسحة خرافية وسحرية، شخصيات تتحرك على صفيح ساخن وخطر يهددهم الموت وعبث الأقدار وقودهم في رحلة المخاطر أو رحلة الحياة الحبّ نعم الحبّ فقط.

بعد فقدها لإبنتها باولا عانت روائيتنا نوبات من الإكتئاب، فلم ينقذها سوى نصيحة وكيلة أعمالها التي همست لها إن لم تكتبي ستموتين، كتبت إيزابيل الليندي يوميات ابنتها وكأنها تحاول الشفاء من شبح الذكرى الذي يترصد بها فكتبت حياتها وكأنها تتخلص من كلّ القيود فتوغلت كثيرا في حياتها ومواقفها السياسية وذكرياتها من الحكم العسكري ورؤيتها للحبّ والأشياء الأخرى.

بولا ابنة ايزابيل أليندي

كانت الكتابة بالنسبة لها فرصة حياة ثانية، إنّها تلد نفسها بإستمرار.. ربما هذا لم يفقدها رونق جاذبيتها عند القارئ في كلّ العالم، فهي تنثر الحياة لقرائها كما ينثر أحدهم القمح للحمام، وتقول عن الكتابة

"هي تفحص طويل لأعماق النفس، رحلة إلى أشد الكهوف عتمة، وتأمّل بطيء. إنني أكتب ملتمسةً في الصمت، وأكتشف في أثناء الطريق أجزاء من الحقيقة، نتفاً صغيرة من الزجاج تتسع لها راحة اليد وتبرر مروري في هذه الدنيا".

إيزابيل الليندي كاتبة متفردة إنها تعيدك إلى زمن البدايات الأولى عندما كان الإنسان حرّا لا يطلب من الحياة سوى المحبة والسلام قبل أن تتحول هذه القيم إلى سلع قابلة للبيع والشراء.

– تم نشر هذه التدوينة في موقع ميم

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد