في يومٍ كتبتْ إحدى السيدات تنتقد طريقة تربية الآباء التي قد تجعل من بناتهن رجالاً من دون شنبات، وقالت إن هذا يؤثر عليها كأنثى ويجعل الرجال ينفرون منها.
وفي يومٍ، كتبت سيدة فاضلة أخرى عن أهمية أن تقوم البنت التي تريد الزواج بتلميع نفسها؛ فإذا كانت سمراء، تبيِّض نفسها وتضع أحمر وأخضر وكده، بدلاً من أن تلوم الظروف على أنها تتزوج، فالرجل الشقيان في الفلوس من حقه أن يختار عروسة حلوة.
وبالأمس، كتب أحد الأشخاص رسالة موجهة للبنات السناجل بألا يحقدن على صديقاتهن المتزوجات، في عيد الحب؛ ﻷنكِ من المفروض أنك شايفة نفسك وبتلبسي براحتك وتعيشي براحتك، وبابا بيصرف عليكِ، الدور والباقي على المسكينة دي اللي احتمال يوم في السنة يعدِّي كويس عليها.
هذه الرسائل الثلاث ربما تكونين قد قرأتيها، وربما لا، ولكنها كلها تدور حول مشكلة واحدة، هي آفة من آفات مجتمعاتنا الشرقية، وهي الـ"sterotyping"،
أو التنميط، بمعنى افتراض أن الناس أنماط أو قوالب محددة ومحاولة وضعهم في هذه القوالب حتى يتماشوا مع السياق الاجتماعي العام.
وللأسف، فعند بعض الأشخاص تكون الأنماط نمطين فقط: أبيض أو أسود.. ملاك أو شيطان. وإذا لم تجدي نفسكِ في قالب من هذين، فأكيد فيكِ حاجة غلط، ولا بد أن تصلحيها بشكل أو بآخر، وإلا فستكون حياتك "سودة"؛ لأنك لا تنتمي إلى قالب يفهمه المجتمع.
دعينا نرجع للأساس، ونتفق على أن كل العباقرة والفنانين والمبدعين العظام عادةً لم ينتموا إﻷى ي نمط أو قالب معروف؛ ولهذا تفرَّدوا وتميَّزوا عن غيرهم.. ستقولين لي: ولكني لست بيكاسو أو نجيب محفوظ أو بيتهوفن.. ومن قال إني أعني أنك لا بد أن تكوني شخصية يُسطَّر اسمها في التاريخ.. ما أعنيه هو أنك -بلا شك- شخصية متفردة.
كل الناس شخصيات متفردة، ولكن ﻷن إمكانات التعليم والإعلام محدودة، فهي تخاطبهم كلهم بالوسيلة نفسها فتخلق لديهم إحساساً بأنهم لا بد أن يكونوا نمطيين بشكل معين.. فكِّري فيمن حولك وستجدين كل شخص منهم له أسطورة خاصة به؛ في أولاده أو إخوته أو أصحابه أو عمله أو فنه، له أثر فريد مختلف عمن حوله، ربما لا يدركه وربما يدركه.
ما علاقة هذا بكونك سنجل؟
أنا لا أناقش سبب كونك سنجل، فهذا شيء خاص بك وبظروف عائلتك وظروف المجتمع واختياراتك الشخصية وأشياء أخرى كثيرة.. ما أناقشه هو هذه الرسائل التي تأتي إليك من التلفزيون والفيسبوك والأصدقاء وستّات العائلة والتي تُشعرك دائماً بأنه أكيد فيك شيء غلط لا بد من تغييره، لتنالي إعجاب شخص ما وبعد ما يدبّس مش مشكلة ابقي ارجعي زي ما كنتِ.
أو أيضاً تلك الرسائل الأخرى التي قد ترينها تستهين بيك وبوجعك وتتعامل معك على أنك مرتاحة البال وقريرة النفس، لا عيل ولا تيّل، فتبدين وكأنك أم ثكلى يعزيها أحدهم بقوله "كويس أنك ارتحتِ من قرف ابنك وتعبه لك.. يا شيخة حد طايل ميكونش عنده ولاد".. أليست هذه منتهى الوقاحة؟!
عزيزتي، أعلم أنه قد يكون بداخلك الكثير من الرعب الذي يزداد كلما مضي العمر.. الرعب أن تظلي وحيدة لباقي عمرك، ثم ربما تحمدين الله عندما تنظرين لصديقتك فلانة، التي تحت ضغط الشعور نفسه قبلت بعريس سيئ كفّر سيئاتها ثم رجعت لطابور السناجل مرة أخرى وهي تحمل لقب "مطلقة".
أعلم كذلك أنه قد يكون بداخلك شعور بعدم الأمان، يزداد كلما مرض أحد أبويك، ويتضاعف إذا مات أحدهما، شعور بأنك الآن ستواجهين الدنيا بمفردك.. ثم ربما تحمدين الله عندما تنظرين لصديقتك علانة، التي توفي زوجها أو طُلِّقت والآن تواجه الحياة بمفردها، ليست فقط متحملة مسؤوليتها نفسها، ولكن مسؤولية أطفال أيضاً.
أعلم كذلك أنه في داخلك شوق إلى أن تعيشي إحساسَ تحرُّك جنين بداخلك، إرضاع طفل من ثديك، أن تسمعي كلمة "ماما"، أن تتزيني فترين نظرة إعجاب في عين زوجك، ثم ربما تحمدين الله عندما تتذكرين فلانة التي توفي طفلها الرضيع، وعلّانة التي خانها زوجها، وتالتنة التي والتي.
هناك الكثير من المآسي، وكل شخص رزقه الله بابتلائه بشكل مختلف. ولكن، ربما رغم كل هذه الحكايات المأسوية، ما زلتِ تحلمين بأن تكوني زوجة وأمّاً ويكون لديك بيت وأسرة هانئة، وهي رغبة مشروعة جداً، لا أجادل في ذلك.
ولكن -عزيزتي- الطريق لتحقيق هذه الرغبة لن يكون بوضع نفسك في النمط الذي يريدونه منك.. لن تتغيري بعد الـ30 أو الـ35 لتكوني شخصية أخرى تماماً.. وإذا تغيرتِ فستكونين -في الأغلب- شيئاً هلامياً، لا حصَّل بلح الشام ولا عنب اليمن.
عليكِ أن تكوني أنتِ وفقط، وأن تتعايشي مع فكرة أنه من المحتمل أن تظلي سنجل للأبد.. أعلم أنه قد يكون شيئاً مفزعاً، ولكنه احتمال. في النهاية، هو رزق من الله، إذا لم يكن مكتوباً فلن تناليه.
لذا، فلتوازني بين الرجاء والواقعية.. الواقعية التي ستجعلك تتوقفين عن المسكنات التي تفعليها لتداوي روحك العليلة وكأن حياتك كلها متوقفة في قطار انتظار الزواج، وتسلين نفسك ببعض الأشياء حتى يأتي القطار.
لا يا عزيزتي: ابحثي داخلك عن مواهبك، عن قدراتك الخاصة، عما يجعلك فريدة، وافعلي الأشياء المختلفة ﻷنك تحبين فعلها.. ربما كانت الأشياء نفسها التي تفعلينها الآن، ولكن فقط غيِّري فكرك من كونها مسكنات وقتية لتكون حياتك.. وعندها قد تشعرين بسعادة حقيقية وليست مؤقتة.
عزيزتي السنجل: لا تعيشي حياتك وفقاً لآراء الناس وما يرونه فيك وما يتوقعونه منك، وكيف يعرّفون الحب والارتباط والزواج والعمل والسعادة.. كوني نمطك الخاص بك وحدك، فأنتِ فقط من تعيشين حياتك وليس الآخرين.. وربما وجدتِ الآخر الذي يتكامل مع نمطك وربما لن تجديه أبداً.
المهم ليس هذا.. المهم هو أنه عندما يحين الأجل، أن تشعري بأنك تفارقين الحياة وقد حققتِ مراد الله منك فيها، وإدراك هذا المراد والعمل على تحقيقه هما الغرض من رحلة حياتك، وهي رحلتكِ أنتِ وحدك والتي لا يُشترط أن تتشابه مع أي رحلة أخرى.
ملحوظة: هناك كرتون رائع 6 دقائق يعبّر نوعًا ما عن هذه الفكرة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.