لا شيء يسير كما هو مخطط له، كل شيء يسير عكس التيار، تيار أن نتأهل كمجتمع إلى مصافّ الدول التي تحترم ذاتها.
لكن كيف يتأتى هذا المطمح ونحن نتعامل فيما يتعلق ببعض المراسيم التي من شأنها أن تُدلل بعض المصاعب عن المواطن المغربي بشاكلة الكيل بمكيالين على أسلوب سيكولوجية الإنسان المقهور؟
مؤخراً صادقت الحكومة المغربية على مرسوم يخص الإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها وعلى صحة الإمضاء بمختلف الإدارات، وليس فقط داخل الجماعات المحلية والمقاطعات.
غير أن هناك مَن له فهم آخر من داخل بعض المقاطعات، وأصبح يفسر المرسوم -هذا إن اطلع عليه- حسب هواه؛ لنتحول بذلك من تسريع خدمة المواطن إلى محاولة المماطلة دون خدمته.
ويدخل بموجب هذا المواطن والموظف الحكومي سجلاً عقيماً، تطفو فيه بنية سيكولوجية الإنسان المقهور إلى السطح لدى الموظف الحكومي، بنعت المواطن بأوصاف شأن {الفهامة الخاوية – قريين كثر منا – ضسارة – شبعتو، المواطن ولا يفهم بزاف….}، وكأن هذا الموظف لا يزال يعيش زمناً آخر غير الألفية الثالثة.
فيصبح لسان حال المواطن يقول: ما شأني إذا كنت حاقداً ناقماً على وضعك، أو ناقماً حاقداً على المؤسسة التي أنتمي إليها بقولك: اذهب إليها لتقوم بالمصادقة على وثائقك… إلخ.
وفي نفس الوقت يتساءل: كيف يعقل أن أنتمي إلى جامعة بالعاصمة الرباط أو القنيطرة….، وعندما أريد المصادقة عليها بمراكش مثلاً (وهذه الواقعة وقعت بهذه المدينة بالضبط) تقول لي مُتبجحاً: ليس من اختصاصاتي المصادقة على شهادتك العلمية بهذه المقاطعة.
ربما تعتقدني -يقول دائماً المواطن- من طينة من يفهمون من المواطنة سوى الحروف؟! ربما يكون الحظ قد صادفك في كثرة من هؤلاء الذين ما زالت تسيطر عليهم فكرة الإدارة الغول.
سيدي الكريم.. نحن في دول تتبنى القانون، ونحن نتقيد بمراسيم قانونية ربما تُفعل وربما لا؟! غير أنني لا يمكنني بحال من الأحوال، أن أفقد جراء هذا المرسوم إدارة كانت تخدمني بالقرب من مكان سكني بدعوى الاختصاص، حتى يستقيم لك يوم بدون عمل.
فعليك أن تفتح فاهك، ألا ترمي بنفسك لما لا تحمد عقباه، فهذا الإجراء القانوني على بساطته وهزالته جاء لخدمة المواطن المغربي، لا العكس، فالنص القانوني في مادته (2) واضح في هذا الشأن؛ إذ يقول: تقوم الإدارة بالإشهاد على مطابقة نسخة الوثائق لأصولها كلما تعلق الأمر بوثائق مطلوبة للحصول على خدمة عمومية تقدمها هذه الإدارة، في حدود الاختصاصات الموكولة إليها للمرتفقين أشخاصاً ذاتيين كانوا أو اعتباريين. ويتم الإشهاد من قِبل الإدارة على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها سواء كانت صادرة عنها أو صادرة عن أي إدارة أخرى.
بما معناه: أن المرسوم الحكومي يهدف إلى تحسين وتسهيل حصول المرتفقين على خدمتي الإشهاد على مطابقة نسخ الوثائق لأصولها والإشهاد على صحة الإمضاءات اللتين تعدان من بين الخدمات العمومية الإجرائية الأساسية التي تشهد إقبالاً مكثفاً من قِبَل المواطنين.
وهذا يتوافق من حيث الشكل والمضمون مع الخطابات الملكية المتكررة، التي تشهر ورقة الإقالة من المسؤوليات في حق كل مسؤول ثبت في حقه الإبطاء والنكوص في القيام بمهامه في خدمة المواطنين.
وبالتالي، يبقى الإشكال الأساسي الذي يواجه الإصلاح، ومختلف القوانين التي تروم تقريب الإدارة من المواطن، ضعف وهشاشة تكوين الموارد البشرية العاملة بالإدارات العمومية المغربية، وعدم قدرتها على التكيّف مع الرؤى الإصلاحية الجديدة التي تعطي القيمة للإنسان.
هذا إلى جانب اعتبارها الوظيفة العمومية آلية للسلطة تعطيها حق التجبّر على مواطن همُّه هو قضاء مصالحه، الأمر الذي يشرعن لهؤلاء تملصهم من مسؤولياتهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.