الواقعية السحرية والعالم المثالي الذي يمزج الخيال بالواقع، والتفاعلات التي تولد سعادةً لحظيةً أو رغبةً دفينةً في معرفة خصوصيات الأصدقاء تجعلنا نقضي الساعات على مواقع التواصل الاجتماعي.
أظهرت دراسة (1) أُجريت في الولايات المتحدة أن أولئك الذين يقضون وقتاً طويلاً في تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي هم الأكثر عزلةً عن المجتمع المحيط بهم؛ حيث إن قضاء أكثر من ساعتين يومياً على شبكات التواصل الاجتماعي يضاعف شعورنا بالوحدة والعزلة الاجتماعية.
شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع البحث وغيرها أتقنت فنَّ جذب وإمتاع المستخدم وخلقت فقاعةَ ترشيح (2) تحيطنا بمحتوى متطابق مع رغباتنا وأفكارنا لنقضيَ وقتاً أطول في استخدام تلك المواقع والشبكات، خاصةً أن هذه الممارسة تشبع لدينا غريزة الراحة أو الكسل فنجلس لنتواصل مع معارفنا دون عناء الذهاب إليهم.
الدراسة نُشرت في شهر مارس/ آذار من العام 2017 وأُجريت على شريحة مكونة من 1787 شخصاً تبلغ أعمارهم ما بين 19 و32 عاماً حول استخداماتهم لإحدى عشرة شبكة تواصل اجتماعي الأكثر استخداماً وهي: فيسبوك، إنستغرام، تويتر، يوتيوب، سناب شات، ريدإت، جوجل بلس، تَمبل، بنترست، فاين، لينكدإن.
وقد وجدَ الباحثون أن المستخدمين الذين يتصفحون شبكات التواصل الاجتماعي أكثر من 58 مرةً في الأسبوع يتعرضون للشعور بالعزلة أكثر بثلاث مرات من أقرانهم الذين يستخدمون تلك الشبكات أقل من 9 مرات في الأسبوع.
براين بيرماك، المشرف على الدراسة، صرّح بأن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، إلا أن التقنيات الحديثة كألعاب الفيديو جعلتنا أقل تواصُلاً، حيث كان الهدف من وسائل التواصل الاجتماعي هو ملء الهوّة التي أحدثتها الثورة التقنية، ولكن الدراسة أظهرت أن هذه الوسائل ليست كما كنا نعتقد.
من جانبٍ آخر أوضحت الدراسة أن البعض قد يشعر بالتهميش، فمثلاً إذا تصفح المستخدم أحد مواقع التواصل الاجتماعي ورصَد صورَ الأصدقاء ووجدهم قد ذهبوا لمكانٍ ما دون إخباره سيشعر أنه غير مرغوب ولهذا تم استبعاده.
وبما أنّ شبكات التواصل الاجتماعي لا تستطيع تصوير الواقع بتفاصيله، فإنها محكومة للمستخدمين الذين يشاركون في الغالب حياةً مثاليةً قد تثير مشاعر الحسد والاعتقاد المشوّه بأن الآخرين يعيشون حياةً أكثر سعادةً ونجاحاً، وهذا يؤدي لتعميق العزلة الاجتماعية ومشاعر الضّغينة، وبالتالي التفضيل والميول للعزلة.
الوقت المبالغ فيه الذي نقضيه في تصفّح شبكات التواصل الاجتماعي ومشاهدة نشاطات الأصدقاء والتفاعل معها، يهدرُ الكثير من الوقت ويؤدي بالضرورة إلى انحسار تواصلنا الاجتماعي الحقيقي ونبقى في فقاعة التواصل الافتراضي؛ حيث نصبح أقلّ معرفةً بالعادات الاجتماعية وتصاب مشاعرنا بالبرود العاطفي، فمثلاً نبارك لأحدهم برسالة، ونعزّي الآخر بخاطرة، لا مشاعر حقيقيّة تفوحُ منها.
شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءاً من حياتنا، ومن الصعب الابتعاد عنها، وليس من المنطق الابتعاد عن هذه الشبكات.
المطلوب هو إجراء تغيير منطقي يهدف لإعادة تموضعنا، أي نستخدم هذه الشبكات بطريقة لا تؤثر على حياتنا الاجتماعية ولا تضعنا في دائرة العزلة.
إذاً كيف نقوم بتغيير أسلوبنا في قضاء الوقت والتواصل اجتماعياً عبر هذا العالم الافتراضي؟
تقليل الوقت المستهلك خلف شاشات الهواتف وأجهزة الحاسوب يبدأ بتغيير العادات والسلوك، ماذا لو كان هاتفنا في وضعية عدم الازعاج لبضع ساعات؟ ماذا لو خرجنا في نزهة مع الأصدقاء سيراً على الأقدام بدلاً من الجلوس في مقهى؟ لماذا لا نتخلص من التنبيهات في أوقات العمل أو القيلولة؟ لماذا لا نقوم بقضاء وقت حقيقي مع أصدقائنا؟ ماذا عن تخصيص وقت للجلوس مع الأسرة دون حمل الهاتف؟
يقول الشاعر أبوالبقاء الرندي في مطلع قصيدته: "لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ" وهذا ينطبق على ما نشاهده على شبكات التواصل.
فمثلاً لو رأيتِ قريباً سافر إلى مكانٍ ساحرٍ جميل وأنتِ لا تستطيعين مغادرة منزلك أو بلدك فلا تفكري كثيراً لربما كانت حياتك أسعد منه.
إذا رأيت الصديقات خرجنَ بدون إخبارك فالتمسي لهنّ عُذراً، ربما قضيتِ وقتاً أجمل مع الأهل والأحبّة.
المراجع
(1) استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والعزلة -بحث
(2) فقاعة الترشيح
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.