مَن منا لم يشاهد أفلام الموتى الأحياء "الزومبي"، تلك الأفلام التي تتحدث عن وباء رهيب ينتشر بين الناس، ويحوّل الإنسان إلى وحش رهيب، يشتهي لحم أقرب أقربائه، في كل هذه الأفلام ينجو شخص أو طائفة من ذلك الوباء الذي يضرب الأرض، كم تمنيت وأنت تشاهد فيلماً من هذه الأفلام، أن تكون أنت الشخص الذي ينجو من هذا البلاء الرهيب، أو على الأقل أن تكون فرداً من الطائفة التي استطاعت النجاة من أنياب هذا الوباء الفتاك.
إن كنت تتصور أن هذا الأمر يحدث فقط في أفلام الرعب الخيالية فأنت واهم، بل هو حادث ويحدث في الواقع، وبصورة أشد ضراوة من أكثر هذه الأفلام رعباً وعنفاً، وأظنك عزيزي العربي قد تعلمت مما مر بك في السنوات الأخيرة أن الواقع كثيراً ما يصبح أشد رعباً من أي فيلم رعب -خذ ما حدث ويحدث بسوريا مثالاً على ذلك- فكم من الأوبئة الأخلاقية والمجتمعية التي انتشرت بين الناس، حتى أصبحت هي الأصل، والمعافاة منها أضحت مجرد استثناء، ينظر إلى صاحبه باستغراب، وأحياناً باستهجان، فالكثير منا قد يكون مصاباً بوباء ملك عليه نفسه، وقتل ضميره، إلا أنه يمشي بين الناس كما يمشي الميت الحي.
في كل تلك الأفلام تجد أن البطل ومجموعته يدافعون عن بقاء إنسانيتهم بشتى الطرق، هم هنا لا يدافعون عن مجرد حيواتهم، فالموتى الأحياء من الناحية الفسيولوجية ليسوا أمواتاً تماماً، بل إنهم في الغالب يتمتعون بصحة وحيوية أكثر من الإنسان الطبيعي، فالأصحاء في هذا الموقف يدافعون عن وعيهم بأنفسهم كبشر، عن أخلاقهم، عن مشاعرهم السامية، التي تميز جنسهم عن غيره.
فكم ترى في حياتك من أناس تحسبهم أحياء، ونفوسهم أشد مواتاً من التراب الذي يمشون عليه، بل إن التراب قد تدب الحياة فيه، وينبت الزروع والورود، أما هؤلاء الموتى الأحياء، فإنهم وإن اهتزوا أمامك كالأحياء، فعليك أن تتأكد من وجود مساحة كافية بينك وبينهم؛ لأن هذه الحركة التي تزخر بها أجسادهم ليست إلا ارتعاشات محموم سيطر عليه وباء فاتك، وكما قال الله تعالى عن عميان القلوب: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"، فكذلك الموت فإنه لا يصيب فقط الأبدان ولكنه يصيب النفوس أيضاً، وهذا أشد أنواع الموت.
أنت تحتاج باستمرار لنفس العزم الذي يتمتع به أبطال أفلام الموتى الأحياء؛ لتنجو بأخلاقك من وسط هذا المجتمع المليء بالموبوئين والموبوءات، وتحتاج إلى مراجعة دورية لنفسك، للتأكد من سلامتها من الأوبئة القاتلة أو المضعفة للإنسانية، بل يجب عليك ألا يكون شعارك أن تنجو بنفسك فقط؛ لأنك لن تستطيع العيش بمفردك، ولن تستطيع أن تؤدي الواجب المنوط بك على هذة الأرض، بمجرد محافظتك على أخلاقك، فما يدريك أنك تستطيع الصمود وحدك أمام الجحافل الحاملة للوباء.
قد يقتحمون حصون نفسك، ويدخلون عليك من أي باب فتحه اليأس من القدرة على التغيير، والملل من إعادة المحاولة، وقد ترى مع الوقت ومن شدة الإرهاق الذي ستتعرض له، أن انضمامك لجحافل الموتى الأحياء هو الخيار الأسهل، فيجب عليك أن تعرف أنك كلما قاومت هذا الوباء وفّرت لنفسك ولأحبائك فرصاً للنجاة من الوقوع في براثنه، ولذلك قالوا قديماً: إن خير وسيلة للدفاع الهجوم، فهجومك على هذا الوباء فرض عليك، فقد تكون أنت المختار الذي ستجري على يديه أسباب شفاء المجتمع، وقد تكون فرداً في المجموعة المختارة لهذه الغاية السامية.
فعليك يا مَنْ مَنّ الله عليه بالعافية من وباء من الأوبئة التي ضربت وتضرب في مجتمعاتنا، أن تبحث عن دواء يخلّص هذا المجتمع من الوباء الذي تسلّط عليه، وإن ذهبت نفسك فداء لهذه الغاية النبيلة، فقد فزتَ ورب الكعبة، فالإنسان بلا أخلاق ينقلب وحشاً أَشرس وأضرى من كل الضواري.
لذلك أجد من اللازم علينا أن نرفع شعار: "قاوِموا الموتى الأحياء".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.