خلال كل مرحلة من مراحل الحياة يكتسب المرء بعض المبادئ، ويتخلى عن أخرى بناء على كل منظومة ينتمي إليها، متأثراً بالمواقف والشخصيّات التي تلعب دوراَ مهمّاً في صقل هذه المبادئ والسّمات الإنسانيّة له، ويترتّب على ذلك انضمام هذا الفرد المشبع بثقافات ومبادئ وأفكار مسبقة لمنظومة جديدة قد يعمل على زيادة تماسكها وإنجاحها أو تفكيكها والهبوط بها إلى الهاوية أو المرور عبرها دون أثر يذكر.
بدءاً من مرحلة الطفولة التي يتم فيها غرس القيم كالصدق والأمانة والعدل والإنسانية من خلال منظومة العائلة، مروراً بمنظومة التعليم، وهي الأهم في حياة كل فرد – حيث تعتبر البداية الحقيقية للتفاعل مع الواقع – والتي يعيش خلالها مراحل تغير الفكر ونموّه، متأثراً بالدين والعلم والأخلاق والقائمين على هذه المنظومة من هيئة تدريسية ومناهج تعليمية، إضافة إلى المحيط الدراسي المتمثّل بالطلبة الذين ينتمون إلى بيئات مختلفة، وصولاً إلى منظومة العمل التي قد يشهد المرء فيها عدم مواكبة المبادئ والأخلاق المكتسبة من المراحل السابقة للواقع، مما يرصد صدمة حقيقية للبعض، وتختلف حيثياتها من إنسان إلى آخر، بناءً على قدرته على التكيّف وتطويع مبادئه في خدمة ما يطمح إليه، فهناك فئة ترفض هذا الواقع، وغالباً ما تكون هذه الفئة متأثرة بقيم العائلة مما يرصد ردّة فعل من خلال توجّيه اللوم إلى منظومة العائلة التي سبّبت هذه الفجوة بين الواقع والقيم المغروسة.
وهناك فئة قادرة على أن تتنازل كليّاً عن كل المبادئ في سبيل أن تصل إلى ما تطمح إليه، وهناك الفئة التي يخدمها الذكاء الاجتماعي في التكيف مع الواقع وتوظيف المبادئ وموازنتها حسب الموقف.
لذلك أن تقوم المنظومة بلفظ فرد معيّن لا يعني دوماً أن هذا الفرد سيّئ، بل على الأغلب أنه لا ينتمي إلى أفكارها وجوّها العام، وبقاؤه فيها قد تكون عواقبه وخيمة، ولا يعني أيضاً أن ينسحب من البداية يائساً من دون بذل أي جهد يُذكَر للتحسين أو التغيير.
فعلى كلّ منّا محاولة إحداث تغيير إيجابي في كل منظومة نعبر خلالها مهما كانت صعوبة التنفيذ، ويجب أن نحافظ على حسّ المسؤولية والأمل في التحسين مهما تم تهميش القيم الإيجابية وأهمية التواصل الإنساني والأخلاقي.
لعلّ الكلام النظري مملّ ورتيب، والكثير يعتقد أنه لا يمتّ للواقع بصلة، ولكن الإصرار على الإصلاح والثقة بأن الله -سبحانه وتعالى- زرع بذرة الخير في كل منّا هو الحل الأمثل لتفادي امتصاص سلبيّات المجتمع.
لذلك يجب عدم الرضوخ للمسلّمات أو مواكبة الأخطاء المجتمعية من خلال التسليم بمبدأ "ما وجدنا عليه آباءنا"، فوجود الأخطاء وارد، ولكن يجب تسليط الضوء على الإيجابيات البسيطة على مستوى الأفراد والمؤسسات، وتعظيمها لتجاوز الأخطاء في حياتنا اليومية التي ستبدأ بعد ذلك بالاندثار تدريجياً، واستهجانها مع مرور الزمن، من خلال تحفيز المبادرات الفردية لإيجاد مجتمع إنساني أفضل، وتحفيز المؤسسات على توفير بيئة إيجابية استثمارها الحقيقي هو الفرد، وكما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
"إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.