نحتاج إلى ثورة تربوية

فرغم المؤهلات الاقتصادية التي يمتلكها المغرب فإنه يعيش نمواً بطيئاً، وهذا ما يجعل وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية المشروعة للمواطنين تعرف حركية المد والجزر، فما الذي يجعلنا لا نعيش نفس الازدهار والتقدم الذي تعيشه على سبيل المثال اليابان التي لا تمتلك نفس الإمكانيات التي يتوافر عليها المغرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/09 الساعة 01:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/09 الساعة 01:19 بتوقيت غرينتش

المغرب كجميع البلدان في العالم يخوض مجموعة من التحولات على جميع المستويات: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية؛ هذه التحولات التي لا نختلف بشأنها على أنها مشروعة تعكس طموحات الشعب المغربي في التطور والحداثة عبر تحسين جودة الحياة ودمقرطة مؤسساته التدبيرية، وذلك باستثمار رأس المال البشري الذي يمتاز بقاعدة شابة وحسن تدبير الثروة التي ما زالت الطبقة السياسية ببلادنا غير قادرة على إيجاد أجوبة حول سؤال عاهل البلاد: أين هي الثروة؟

فرغم المؤهلات الاقتصادية التي يمتلكها المغرب فإنه يعيش نمواً بطيئاً، وهذا ما يجعل وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية المشروعة للمواطنين تعرف حركية المد والجزر، فما الذي يجعلنا لا نعيش نفس الازدهار والتقدم الذي تعيشه على سبيل المثال اليابان التي لا تمتلك نفس الإمكانيات التي يتوافر عليها المغرب؟

لا بد أن نتفق أولاً على أنه من الطبيعي أن ما يجمعنا كأفراد (تكلمت عن الفرد وليس الجماعة أو القبيلة؛ لأن كل الديمقراطيات العريقة تتكلم عن المواطن الفرد وعلاقته بالدولة من خلال ترسيخ ثقافة الحق والواجب) هي المصلحة المشتركة في الأمن والأمان والاستقرار والتمتع بالحقوق الإنسانية على قدر المساواة، وأن بداية الخلل هي أن تصبح المصلحة المشتركة مجرد مصلحة ذاتية يسود فيها منطق الأنا، وتكون النتيجةُ ظهور خونة يدافعون عن مصالحهم الشخصية، وفساداً على جميع الأصعدة يؤثر سلباً على مؤشر التنمية البشرية، ولمعالجة هذا الخلل يجب أن نمتلك وعياً جماعياً بمكانة التشبث بالمصلحة المشتركة والدفاع عنها، والنضال من أجلها، وهو ما يمكنه أن يتحقق بالتربية السليمة للأجيال الصاعدة، تلعب فيها الأسرة وباقي المتدخلين في مجال التربية من مؤسسات تعليمية وإعلام والمؤسسة الدينية دوراً محورياً في بناء قادة الغد؛ حيث يجب أن ننتقل من مفهوم الأسرة التقليدي كآلية طبيعية لإنجاب الأطفال إلى أسرة مؤهلة لتربية الأطفال ومسؤولة عن ضمان حقوقهم، وهو ما لن يتحقق سوى بالاشتغال على محو الأمية ومحاربة زواج القاصرات.

يجب أن ننتقل من مؤسسات تعليمية هدفها تسليم الشواهد العلمية إلى مؤسسات تبني الإنسان، من إعلام محتشم أو تجاري إلى إعلام مسؤول، ومن مؤسسة دينية تقليدية إلى مؤسسة دينية حديثة تواكب العلوم الدقيقة بعيداً عن العطاء مع عدة قضايا مجتمعية بمنطق عقلي ما قبل أربعة عشر قرناً، وهذا ما يسمى "الاستثمار في العنصر البشري"، حتى يمكن بناء مجالات عدة سواء في السياسة أو الإعلام أو الاقتصاد أو البيئة أو.. تمتلك وعياً جماعياً يحمل همّ المصلحة المشتركة يؤمن بها ويناضل من أجلها.

فعلى سبيل المثال يصعب أن نتكلم عن الديمقراطية في المغرب وعن مؤسسات ديمقراطية، ولو أن الانتخابات تمر بنزاهة؛ حيث إن الأحزاب التي هي المسؤولة عن تربية المجتمع على القيم الديمقراطية لا تقوم بدورها ولا تتحمل مسؤوليتها في تأطير المجتمع بخصوص التربية السياسية السليمة، وأغلب إن لم أقل جميع الأحزاب تحضر فيها الانتهازية والمصلحة الذاتية على المصلحة المشتركة في بناء حزب وطني أولاً، وملك لكل المغاربة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الخلل في غياب تحمل المواطن الفرد مسؤوليته في قيمة صوته الانتخابي؛ حيث بدوره يزكي مصلحته المنفعية على المصلحة المشتركة في اختيار الأشخاص، دون أن ننسى غياب وعي سياسي لدى المواطن نتيجة الجهل والتخلف الذي يتخبط فيه أو لا مبالاته بخصوص قيمة عملية التصويت، مما يجعل نتائج صناديق الاقتراع، وإن كانت نزيهة تعكس خلل المصلحة الذاتية في المجال السياسي بجميع تجلياته ويصعب معالجته على المدى القريب.

مثال آخر لغياب الوعي بالمصلحة المشتركة يتعلق بموضوع الحفاظ على النظام العام، فأغلب المواطنين يظنون أن مسألة الأمن والأمان تتعلق بدور الأجهزة الأمنية وبناء السجون، في حين أن هذا الموضوع لا علاقة له بعسكرة الشارع والمؤسسات وبناء الأسوار المغلقة والعازلة، وإنما بالتربية على التعايش وتقاسم هَمّ المصلحة المشتركة بخصوص الأمن والأمان، بحيث كل أسرة تتحمل مسؤوليتها في السهر على تربية أطفالها، على الحفاظ على القيم الإنسانية والخصوصية المغربية، بموازاة الهجمة الشرسة للعولمة وسلبياتها على القيم الإنسانية، وهنا أتساءل: هل كانت أسرنا مؤهلة لتربية ومواكبة الناشئة في ظل النظام العالمي الجديد؟

أعرج على مثال آخر يتعلق بالبيئة، وهو كذلك له علاقة بالتربية على المصلحة المشتركة في الحفاظ عليها، وذلك بتربية الفرد على تنفيذ التزاماته في محيطه الأسري، من حيث ترشيد استعمال الماء والمواد المنظفة، وتدبير النفايات المنزلة، أو تبنيه لمقاربات حقوقية تدافع عن الحضن الطبيعي للإنسان، فالمغرب يفقد سنوياً ثروة مهمة سواء تعلق الأمر بمعالجة نتائج سوء تدبير النفايات المنزلية، أو سوء تدبير ثروته المائية، أو باستعمال المواد الكيماوية من أسمدة ومبيدات في المجال الفلاحي، وغياب المراقبة للنفايات الصناعية كنتيجة حتمية لغياب الوعي بالمصلحة المشتركة بقيمة البيئة؛ لأنه لا توجد تربية على الحفاظ على البيئة، سواء من داخل الأسر، وغياب برامج إعلامية وتعليمية ودينية حول موضوع البيئة.

كل هذه الأمثلة تجعلنا نفكر في التكلفة الثقيلة لغياب التربية السليمة للفرد على المصلحة المشتركة على جميع المستويات، وهذا ما يجعلنا نمتلك طاقة بشرية مهمة، لكنها غير قادرة على أن تكون فاعلة وتصنع التغيير في عدة مجالات، مما يجعل مهمة محاربة الفساد جدّ صعبة في مجتمع يعرف خللاً في الوعي الجماعي بالمصلحة المشتركة لدى جميع الطبقات الاجتماعية؛ حيث يصبح الصراع حول تحقيق المصالح الذاتية هو سيد الموقف، سواء تعلق الأمر بالفرد العامل أو الفلاح أو الرجل الاقتصادي أو السياسي…. والنتيجة هي المزيد من إهدار الوقت في تقدّم المجتمع، وتضييع الحقوق ما دام أننا غير قادرين على إنجاح رهان التنمية البشرية، وهذا ما يفصلنا عن اليابان!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد