التعليم في ظل الأزمات وتلبية الاحتياجات

إذا ما تم ذلك سنجد أن التعليم يكون طبيعياً، ويساعد الطلبة الذين تعرضوا لأزمات على تجاوز تلك الأزمات بل قد يكونون هم أحد أركان الدعم النفسي الاجتماعي لأهلهم ومجتمعهم.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/07 الساعة 01:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/07 الساعة 01:57 بتوقيت غرينتش

منذ أن بدأت الأنظمة التعليمية الحديثة ومدارسها المتنوعة بتنظيم العملية التعليمية والتربوية كان لتلبية احتياجات المتعلمين دور أساسي في بنيتها الفكرية والعلمية والتقنية؛ حيث إن الأساس في تنمية قدرات الطلبة هو استعداداتهم الفطرية وقدراتهم ومواهبهم، كما أن ارتباط التعليم بالاحتياجات يساعد على شد انتباه الطلبة ويوفر بيئة تعليمية آمنة وممتعة بنفس الوقت، ولذا كان الارتباط الوثيق بين الحاجات وبين مخرجات التعلم.

وتعرف الحاجة need كل نقص يشعر به الفرد في الشروط البيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية أو الثقافية، ويؤثر في توازنه ويكون مانعاً لإشباع حاجاته.

ولإعادة التوازن تنشط الحاجة أو تفرز دافعاً ما، وعندئذٍ يحرك الدافع السلوك من أجل تحقيق الغاية التي تشبع الحاجة أو تعيد التوازن نتيجة إشباع هذه الحاجة، مما يؤدي إلى إزالة التوتر أو خفضه. وتعرف الحاجة أيضاً بأنها الحالة أو الموقف الذي يتطلب الوصول إلى هدف معين. (1)

وعرّفها آخرون بأنها أي أمر لا تستقيم حياة الفرد أو الطالب إلا بإشباعها حتى لو كانت في المستوى الأدنى من الإشباع. (2)

وقد وضع (ماسلو هرماً للحاجات) قسّمها تبعاً لأهميتها للإنسان وضرورة تلبيتها وكانت كالآتي:

1- الحاجات الفسيولوجية: ويقصد بها تلك الحاجات التي لا بد من إشباعها؛ كي تستمر حياة الإنسان الجسدية، مثل التنفس والطعام والشراب والجنس.

2- الحاجة إلى الأمان: وتظهر هذه الحاجة بعد تلبية الحاجات الفسيولوجية، ويقصد بها الحاجة للشعور بالأمان على المستوى المادي والمعنوي وتشمل: السلامة الجسدية من العنف، والتهديد بالقتل، والأمن في الموارد المادية، كالأمن الوظيفي والأمن في العيش ضمن الحرية الفكرية والأمن الصحي.

3- الحاجة للانتماء: وهي الحاجة للشعور بأنه جزء من مجموع يشترك معها بمجموعة من الصفات، ويرتبط معهم بروابط معينة مثل: الرابط الأسري، والرابط الجندري، والرابط العاطفي، والرابط المهاراتي، والرابط العمري، والرابط الاهتمامي..

4- الحاجة لتقدير الذات: ويقصد بها محاولة الفرد أن يجد ذاته بين المجموعة التي يعيش بها، يبرز إمكاناته وتميزه عن غيره، وهنا يأتي دور إبراز المواهب وتنميتها وتطويرها؛ كي يشعر بتقدير الذات، وتصبح نظرته إلى نفسه نظرة إيجابية.

5- الحاجة إلى تحقيق الذات: فيها يحاول الفرد تحقيق ذاته، من خلال تعظيم استخدام قدراته ومهاراته الحالية والمحتملة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات.

وقد عدل هذه النموذج فيما بعد، وأضيف له مجموعة من النقاط، وأصبح كالآتي: (3)
1- الحاجات الفسيولوجية.
2- الحاجة إلى الأمن.
3- الحاجة إلى الانتماء والحب.
4- الحاجة إلى التقدير والاحترام والاعتبار.
5- الحاجة إلى المعرفة والإدراك.
6- الحاجات الجمالية.
7- الحاجة إلى تحقيق الذات.
8- الحاجة إلى العطاء والمشاركة وخدمة الإنسانية.

ولذا على التربويين مراعاة ذلك، وخاصة في البيئات التي خرجت أو ما زالت تعاني من أزمات كما في مدينة الموصل؛ حيث حدّد عدد من المعلمين في الساحل الأيمن منها، والذي تعرض إلى معارك طاحنة هدمت البنية الاجتماعية والنفسية والمادية للحياة، واعتبرت وفقاً للقانون بأنها منطقة منكوبة، حدد العلماء أهم احتياجات الطلبة النفسية والاجتماعية التي يجب مراعاتها وهي:

1- الحاجات الفسيولوجية: (توفير الطعام الذي يحتوي على مكملات غذائية؛ حيث عانى الأطفال من حصار لمدة ثلاث سنوات إبان سيطرة داعش على المدينة – توفير الماء الصالح للشرب ويفضل أن تعطى لهم وجبات من المياه المعدنية؛ لأن الماء في تلك البيئة مياه الآبار الارتوازية – توفير الملابس والدعم المالي لترميم البيوت وتوزيع بعض من الأسرّة الخاصة بالنوم، وخاصة أن تلك المناطق تعاني من فقر مادي؛ لأن معظم سكانها من الكسبة وقد دمرت مناطقهم وبيوتهم وسبل عيشهم – التوق في الإنفاق على المخيمات؛ لأن معظم أهل هذه المناطق رجعوا إليها وأصبح الإنفاق على إعادة إعمار تلك المناطق أولوية له، ولذا على المنظمات الدولية مراعاة ذلك – بناء مراكز سريعة لاستيعاب الأيتام والمشردين ودعم الأرامل؛ لأن هناك عوائل كاملة قُتلت ولم ينجُ منها إلا طفل أو طفلان).

2- الحاجة إلى الأمن: (العمل على توفير بيئة آمنة للطفل داخل المدرسة بعد أن فقدها في بيئة عيشه خارج المدرسة، نتيجة للدمار والحروب – توفير بعض الألعاب داخل المدرسة كي يشعر الطفل بالأمان – إعادة ترميم المدارس بسرعة؛ لأن قسماً كبيراً منها (60% من مدارس الساحل الأيمن) تعرض للقصف أو التفجير – استقدام متخصصين في الدعم النفسي الاجتماعي إلى تلك المدارس لامتصاص الصدمات التي تعرض بها الطلبة – توفير المقاعد الدراسية والاحتياجات المادية الدراسية – تدريب المعلمين على الدعم النفسي الاجتماعي في ظل الأزمات وبالسرعة الممكنة..).

3- الحاجة إلى الانتماء والحب: (العمل على تعزيز روح الانتماء للوطن لدى الأطفال – توفير مشاريع عمل صغيرة داخل المدرسة تجذب الطلبة وفقاً لاهتماماتهم – تشكيل فرق من الطلبة كي يمارسوا هم أنشطة يقترحونها لإنقاذ مجتمعاتهم – تعزيز الانتماء إلى الأسرة وتوفير البديل لمن فقدها – إقامة أنشطة وألعاب جماعية في بيئة المدرسة تدفع الطلبة لتشكيل فرق أو شلل معينة..).

4- الحاجة إلى التقدير والاعتبار: (إعطاء التلاميذ للهدايا الشخصية والعامة وافتعال مناسبات لتكريم أكبر عدد منهم – اصطحاب الطلبة إلى أنشطة عامة أو إقامة تلك الأنشطة بمساعدة الطلبة أنفسهم؛ كي يتمكنوا من معرفة قدراتهم وذواتهم – عمل جلسات للاستماع لما عانوا من ظروف قاسية وتسجيلها وبثها، أو نشرها على قنوات محلية أو عالمية…).

5- الحاجة إلى المعرفة والإدراك: (تلبية احتياجات الطلبة التعليمية، وخاصة بعد أن توقف التعليم لمدة ثلاث سنوات – وضع حلول من قِبَل المنظمات الدولية تساند قرارات وزارة التربية؛ كي تجنّب الطلبة ما فاتهم من سنوات دراسية – توفير ورش ومختبرات متنقلة سريعة التجهيز للمدارس – رفد المدرسة بأصحاب المواهب وطريقة اكتشافهم وتلبية احتياجات كل موهبة – إدخال الموسيقى والرسم والفنون إلى مناهج الدراسة – عمل ورش تقوية للطلبة – عمل قبّة فلكية في المدينة تقوم المدارس بزيارتها للتخفيف من أزمتهم ودمج التعليم بالمشاهدة – عمل مخيمات كشفية لكل مدرسة في غابات الموصل..).

6- الاحتياجات الجمالية: (عمل معرض لرسوم الأطفال وخاصة في الساحل الأيمن – استقدام فنانين إلى ساحات فارغة في الموصل وعمل رسوم طباشيرية بمشاركة الطلبة – عمل معارض داخل المدرسة للتعبير عن إحساس الطلبة بالجمال في شتى مجالات الحياة – توفير المواد اللازمة لتغيير طلاء المدارس بما يناسب رغبة كل مرحلة دراسية – إعادة تأهيل الحدائق المدرسية بمشاركة الطلبة..).

7- الحاجة لتحقيق الذات: (مسرح الدّمى ومسرح الطفل – نشر نتاج الطلبة الفني والعلمي – التنسيق مع القنوات المحلية والعالمية لعمل لقاءات مع المتميزين والموهوبين والمبدعين..).

8- الحاجة إلى العطاء: (نشر ثقافة العمل التطوعي بين الطلبة – تفعيل لجنة الصحة والبيئة واللجنة الثقافية في المدرسة..).

إذا ما تم ذلك سنجد أن التعليم يكون طبيعياً، ويساعد الطلبة الذين تعرضوا لأزمات على تجاوز تلك الأزمات بل قد يكونون هم أحد أركان الدعم النفسي الاجتماعي لأهلهم ومجتمعهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-البحوث .
2- ورشة عمل أُقيمت في مديرية الإعداد والتدريب بتاريخ 21-23/1/2018 مع معلمين من الساحل الأيمن في الموصل.
3- دليل منشطي ومنشطات أنشطة الصيف – معهد كنعان التربوي النمائي – 2009.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد