خرافة الإسلام المعتدل

أهناك إسلام متشدد أو عنيف أو متطرف أو منغلق، وآخر معتدل ومشرق يرى العالم بشكل وردي مطل على ضفاف الحداثة؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/07 الساعة 06:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/07 الساعة 06:48 بتوقيت غرينتش

طفت علينا مصطلحات مستحدثة لا مدخل لحصرها وضبط مآلاتها ومعانيها، تأتي في ظل توازنات مختلة وتوافقات معتلة، تفرض فرضاً علينا وعلى منظومتنا.

وقد تكون المفاهيم مختلفة على المنطوق الواحد، فتذهب العقول والأهواء في تحديد معناها مذاهب قد تبلغ حد التناقض.

ومن هذه المصطلحات مصطلح: "الإسلام الوسطي"، أو "الإسلام المعتدل"، أو "الإسلام المنفتح"، أو "الإسلام الحداثي"، وما شابه هذه المصطلحات.

وهنا يحق التساؤل أهناك إسلام متشدد أو عنيف أو متطرف أو منغلق، وآخر معتدل ومشرق يرى العالم بشكل وردي مطل على ضفاف الحداثة؟

قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ آل عمران: 19.

فلا ثمرة ترجى من التفرقة والتفريع في مفهوم الإسلام، ومحاولة ملاطفة الغرب وكأن لنا أصنافاً للتدين نستلهم منها ما نشاء.

فهذا الأمر يعيب للإسلام أكثر مما يفيده، فقولك بوجود إسلام معتدل، يفيد بالضرورة وجود إسلام موازٍ أو إسلام الظل الذي نحاول التملص والتبرؤ منه ومحاولة القطع معه، فلا داعي لوصف الإسلام بأي وصف، فكفى باسمه خير دليل.

فالإسلام إسلام، والدين دين، والذي يوصف بالاعتدال أو التشدد أو الوسطية أو التطرف هو الفكر والأفراد الحاملون له، فالدين واحد، كتلة متراصة من القيم والمبادئ الكونية المشتركة الهادفة للسمو بالإنسان والرقي بفكره.

وهنا وجب التمييز بين الإسلام كديانة وبين معتنقيه، فلا جزم أن كل مسلم يملك بداخله الإسلام الحق، فنحن وعلى امتداد السنين لا نعتنق إلا ما ترسخ لنا في الوجدان والعقل على أنه دين، أي أن تديننا مبني على مقدرتنا في فهم الدين ومقاصده.

ولم يصف ربنا -تعالى- الإسلام بالوسطية، بل وصف بذلك الأمة، فقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ البقرة: 143.

فالغلو والاعتدال والتشدد والتسيب لصيقة بالأفراد؛ لذا كان الخطاب الرباني لأهل الكتاب بنهيهم عن الغلو، فقال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾ النساء: 171.

ولعل أحداً يتساءل عن دور الدين في بروز الجماعات المتطرفة ويدفع بأن منطلقهم ودافعهم أساسه الدين، وكأن الدين هو المحفز والداعي لذلك.

اعلم أن من المسلمات ومن منطلق الفهم السليم للأمور، أن ما تراه هو انعكاس لفهمهم للدين والتدين، وليس الدين كديانة في حد ذاتها، وأتساءل معك عن مدى امتلاكهم لأدوات التفسير والتحليل وضبطهم للناسخ والمنسوخ، وسياق الآيات الزمني والمكاني للتنزيل، وبيان المكمل من السنة وقواعد أهل الإجماع وضوابط القياس…

ولعل سوء الفهم والجهل بالمقاصد الإسلامية يحتل صدارة العلل المؤدية لاختلال الفكر والتطرف فيه، واستغلال الأمل الزائف الذي يُبث في نفوسهم من قبيل الجنان والحور العين وأنهار الخمر المصفى والشهادة هو ما يحفز فيهم روح التطرف والغلو.

وخير ما يضرب به المثال، هو خير الأنام محمد صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان مبشراً ومرغباً وداعياً للسلام بإذن من الرحمن، فوصف جلت قدرته بأنه على خلق عظيم، فكيف للبشير الرحيم الصادق الأمين أن يدعو لما به شر؟

واعلم أن الموضوع له أبعاد تتعدى فهمنا القاصر عن استيعاب قواعد اللعبة بين الدول، وأنها مفاهيم كغيرها تستعمل للضغط ولي اليد والتدخل في شؤون الغير لمصالح لا يعلمها إلا هم.

بهذه المصطلحات ستجد نفسك في كل حين في موقع المدافع عن دينك ورؤيتك، وستظل المتهم الأول في ظل خلقك لمفاهيم جديدة يتراءى لك أنها تدفع الاتهام عن دينك.

واعلم أنك تزكي بتقسيمك للإسلام المفهوم المراد ترويجه، واعلم أن لا مفر لك سوى تبني الوحدة في ظل تشتت قدرات الفهم والاستيعاب، واجعل من نفسك خير مثال وأسوة.

واعلم أنك لن تبلغ منتهى العلم وإن طلبته، ففوق كل ذي علم عليم، وكن فكراً ينتهي به الخلاف، وكن نبراساً وسبيلاً يهدي للرشاد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد