في 2008 ظنّ الجميع -تقريباً- أن "الحضري" قد "خلص وانتهى"، لكنه كان الوحيد -تقريباً أيضاً- الذي لم يكن يصدق هذا الكلام.
ترك ناديه "الأهلي"، الذي وضعه على سلم النجومية، وراح لنادي "سيون" في الدوري السويسري، والذي لم يكن من ضمن الدوريات الأوروبية الكُبرى، وكان ذهابه هناك غصباً عن إرادة إدارة ناديه "الأهلي"؛ مما نتج عنه أكبر حملة إعلامية في تاريخ الكرة المصرية ضد أحد لاعبيها .
حتى إن جماهير الأهلي هتفت ضده بالاسم، في أول مباراة لعبها منتخب مصر في استاد القاهرة، بعد العودة من بطولة إفريقيا 2008.. ولا توجد لحظة أصعب من هذه على أي لاعب كرة قدم عندما يكون جمهور الفريق الذي تمثله هو مَن يهتف ضدك وأنت في الملعب.
لكن لأنه الحضري، أكثر إنسان مصري معاصر ضد المنطق، استمر وحافظ على مكانه كحارس منتخب مصر الأول، وفاز مع المنتخب ببطولة إفريقيا 2010، بعد ضياع حلم التأهل لكأس العالم.. طالبه البعض وقتها بالاعتزال، واختتام حياته الكروية بإنجاز حصد اللقب الإفريقي الثالث مع المنتخب، لكنه رفض -كعادته- ضد المنطق بقولك!
وبعد "ترانزيت" قصير غير ناجح مع نادي "الزمالك"، يسافر الحضري للاحتراف في "المريخ السوداني"، ثم يعود لوادي دجلة، والإسماعيلي، ووادي دجلة مرة تانية.. وتستمر الرحلة.
7 سنوات، من 2010 إلى 2017، وتقريباً كنا نسمع فيها أو نقرأ لفلان وغيره يطالبون "الحضري" بالاعتزال؛ هجوم، اتهام بالطمع في المستقبل بشكل لا يتناسب مع سنه، اتهام بالحظ المُفرط مرة، واتهامات باستخدام "السحر" في مرات أكثر! يخرج في أوقات من اختيارات مُدربي المنتخب، ثم يعود ليلعب بشكل أساسي، وبعدها يعود احتياطياً مرة ثانية، ثم يُستبعَد.. ثم يعود أساسياً ثانيةً في المكان المُفضل له: "حارس منتخب مصر الأول".
الحضري على مدار الـ7 سنين الأخيرة خسر وزنه، عن الفترة التي كان فيها شاباً لم يكمل 30 سنة.. أحمد حسام "ميدو"، مدربه الحالي في "وادي دجلة"، حكى عنه أنه ذهب مرة إلى النادي في وقت الشتاء، الساعة 8 صباحاً وجد "الحضري" يجري في "تراك" الملعب، لوحده؛ حتى يرفع من لياقته البدنية.. كان يطلب من مدربيه التدريب فترة زيادة عن باقي زملائه، 44 عاماً والحضري لا يزال قادراً على أن يكون حارس منتخب مصر، وكل من يشجع المنتخب كانوا مطمئنين، في حين أن زملاء له من نفس جيل المنتخب، وأصغر منه سناً بـ10 سنين تقريباً، كانوا جالسين في استوديوهات التحليل في نفس الوقت يتحدثون عن عظمة "الحضري" وتصميمه.
لا يمكن النظر للحضري إلا أنه أكثر إنسان مصري تقريباً كان يحترم عمله، يتعامل مع الكرة على أنها عمل ووظيفة في المقام الأول، لا يغتر بالشّهرة والمظاهر والكاميرات ومانشيتات الجرائد.
الحضري هو قطار الإصرار العنيد المُستميت لقهر أي عائق نحو حلمه، وكما قال هو إنه يحلم ألا يتوقف عن الكرة قبل أن يلعب مع منتخب مصر في كأس العالم: الإنجاز الوحيد الذي كان مستعصياً على الحضري حينها.
الحضري الآن يبلغ من العمر 45 عاماً يحرم نفسه من لذة الأكل بلا حساب، من لذة السهر، ينام بشكل كافٍ، يتدرب بمعدلات أعلى من بعض اللاعبين، الذين لا تتعدى أعمارهم عمر أولاده، يتجاهل كل ما قد يعوّقه؛ سخروا منه في بداياته على طريقة كلامه، على مظهره بالشنب، وقالوا: "ده شكله يضحّك وفلاح"، وسخروا منه عندما حلق شنبه وقالوا: "عاوز ينضف"، لكنه كان يتعامل مع الانتقادات التي تُقال ضده دائماً بمبدأ: "هشتغل، وانتو اتكلموا"… لا يزال محتفظاً بالقوة النفسية والعزيمة الخاصة بالفلاح الدمياطي، ابن "كفر البطيخ"، الذي كان يقفز من نافذة بيتهم للشارع مباشرة؛ حتى يلعب كرة القدم من دون إذن والده ويرجع ليقفز مرة ثانية في "الترعة" عندما ينتهي من اللعب؛ حتى تنظف ملابسه من الطين الذي لطخه حتى لا يعرف أحد أنه كان يلعب في مباراة كرة القدم مع أصحابه، وعندما يرجع لبيته يقوم بنشر بملابسه المبللة حتى تجف وتعود كما كانت مرة ثانية.. الحضري هو مثال للإنسان الذي وهب عمره لشغفه وأحلامه، فقط، كأنه ناسك.
من 4 سنين لو قال أحد إن الحضري في 2017 سيكون حارس المنتخب الأساسي، كان سيحصل على سخرية واستهزاءات تكفيه ما تبقّى من عمره، لكن ها هو الواقع ينصف الحضري، أو بمعنى أصح، ينصف أسطورة الحضري، في زمن عزّت فيه الأساطير المُلهِمة الحقيقية، بعيداً عن وهم كهنة الإعلام.
من السهل أن تتكلم عن "الحضري" ومسيرته وشغفه، لكن ما أصعب أن تكونه؛ فالأقوياء فقط هم من لديهم شجاعة تكريس حياتهم لشغفهم وأحلامهم.
– تم نشر هذه التدوينة في موقع مصر العربية
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.