أين ضيعتني؟

فوضى عارمة وصوت طحن وضجيج في دماغي لا يكاد يهدأ، أنظر إلى داخلي فأراني على هيئات وصورٍ مختلفة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/06 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/06 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش

أجاهد منذ أكثر من أسبوعين أن أطوع قلمي ليكتب، محاولات بائسة هنا وهناك، شذرات وهلوسات على قصاصات من الورق أكتب عليها، ما لا أنوي أن أكتبه فتتيه بي وتأخذني إلى حيث لا كنت أرغب في الذهاب، ما ألبث أن أمزقها وأتخلص منها في سلة المهملات.

ردود فعل متضاربة أقوم بها، وتصرفات لا تشبهني بشيء.

كنت قد وضعت قصاصات صغيرة على جهازي الحاسوب، دونت ما اقتبسته من أحدهم عن فلسفة جميلة ونظرة للحياة اعتدت أن أقرأها كل يومٍ في الصباح، أستمد منها أملاً للبدء بيومٍ أفضل.

لم تسعفني تلك الكلمات في ذلك اليوم، بدت لي غير ذات معنى وهدف، لم أستطع أن أنهي قراءتها وقمت بحذفها مباشرة عن شاشتي، بدت لي الشاشة أقل فوضى، لكنها فارغة من شيء ما.. كذلك كان قلبي.

في داخلي أصواتٌ تعبث بي، الأنا المجتمعة في الشخصية التي أظهر عليها تفككت إلى شخصيات متنافرة، أسمع أصواتها متناحرة متصارعة فتصيبني بالصمم.

فوضى عارمة وصوت طحن وضجيج في دماغي لا يكاد يهدأ، أنظر إلى داخلي فأراني على هيئات وصورٍ مختلفة.

أستمع إلى الأنا الحكيمة فتقول لي: "ليست الحياة إلا متضادات، فاعلمي أنه ما وُجد الحزن إلا وُجد الفرح معه، وما وُجد التعب إلا اقترنت الراحة بها، فلا يبتأس قلبك طويلاً فالفرح قادم، ولا تنسي النعم بين يديكِ فإنها لا تدوم".

أتأمل طويلاً في كلماتها وأشكرها على حكمتها التي منحتني إياها.

أتابع النظر في أعماق نفسي، فأرى الأنا المثقفة تحمل كتاباً وتقرأ لي من صفحاته بصوت مرتفع: "لكلٍ منا هدفٌ ورسالةٌ في الحياة، ولم نوجد في حياة بعضنا عبثاً، إن الله يسخرنا لبعضنا البعض؛ لندفع عجلة التقدم ونحقق رسالة الاستخلاف في الأرض"، أشكرها وأحييها على روعة اقتباسها، ثم أسأل نفسي: هل أنا وسيلة أم غاية؟

تجيبني الأنا الحالمة: أنت الاثنان معاً، إذا ما كنتِ الوسيلة في حياة أحدهم لحمل الرسالة فلتكوني أيضاً الغاية والمبتغى، الوِجهة والهدف، قراراً وليس خياراً.

فأقول لها: ولكني لا أنتظر المقابل من أحد، لا أنتظر الثناء والتقدير من أحد، إنني أؤدي دوري وأحمل رسالتي وأعمل بحب.

فتجيبني الأنا التائهة: وجود هش، أنت بحاجة لمن يثبت وجودك وإلا أصبح هشاً، لا يوجد عطاء دون مقابل وإلا نضب العطاء، بحاجة لمن يفجر ينابيع السعادة في قلبك؛ لتغدقي بها على غيرك.

تسمعها الأنا العاشقة التي تجلس بجانبها وتقول لي: "إذا نضج الحب في قلبك أفصحي عنه ولا تنتظري الوقت المناسب، فإنه لن يأتي، من يخشَ من الحب على نفسه سيموت ويندثر وحيداً، نحن لا نعيش إلا مرةً واحدة.. فإذا ما صادفنا الحب عانقناه ومشينا معه كفاً بكف".

أتوه بيني وبين نفسي في متاهات الروح والأنا وأجد في نهاية المطاف أنا حزينة ومنكسرة تنظر في المرآة وتبكي وتقول: أين ضيعتني؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد