يكتب أحدهم حديثاً رومانسياً أدبياً عن الزواج فيقول: (لا تتزوّجي رجُلاً يستغرقُ وقتاً في استيعابك! يُجادلُكِ في أفكاركِ! لا تُعجبه ملابسكِ! لا تتزوّجي رجُلاً تقليدياً! لا تتزوّجي رجُلاً لا يُحبُّ ضعفكِ! ولا يأبهُ لحُزنكِ! تزوّجي من لا يخجلُ من احتضانكِ أمام العالم! تزوّجي من يُؤمنُ بكِ! مَن يثقُ بقدرتكِ على تحمّل الحياة معه! تزوّجي مَن يُدلّلكِ يُبعدُكِ عن النّاس! لا يأبه لشيءٍ سوى لكِ! تزوّجي رجُلاً تعرفينه! تحفظين ملامحَهُ! تزوّجي رجُلاً كلّما نظَر إليكِ بِحُب قبّلتيه دون مُقدّمات!تزوّجي رجُلاً يهتمُّ بعدد الكُتُب التي قرأتيها في حياتكِ! يهتمُّ بتفاصيلكِ! يحفظ تاريخ يحب أول قبلة! وأول لقاء! تزوّجي رجُلاً ذا هدف! يُحبُّ طفولتكِ برائتكِ عفويّتكِ! يُبرّرُ لكِ عيوبكِ! لا يُعايرُكِ بها!)، بعيداً عن نقد هذا الحديث الأدبي المليء بالترهات، والذي خلط عملاً صالحاً بآخر فاسد، فإن هذا الحديث وأمثاله بات اليوم منتشراً كثير الطرح، حتى المقالات المنشورة في المدونات حولت الزواج إلى ما يشبه مزاداً اجتماعياً بعناوين تحدد مواصفات الزوج والزوجة، وغالباً ما تكون المواصفات هامشية رومانسية حالمة.
إشكالية الحديث ذي الطبيعية الأدبية في موضوعات اجتماعية كالزواج أنه حديث أقرب ما يكون وعظياً ذا تمنيات وخيالات غير واقعية، ويساهم في تشكيل الشخصية المزدوجة التي لها معايير عالية في تصور الزواج، تصورات بعيدة عن الواقع الفعلي للارتباط وتفاعلاته الإنسانية وما ينتابها من حالات ضعف وتقصير وملل وخلافات تحتاج إلى تقديم تنازلات وتسويات، فالزواج أشبه ما يكون بعلاقة مؤسسية ذات أطراف عديدة لا تقتصر على الزوجين، فهناك الأبناء، والأهل.
وهذه المؤسسة لها مسؤوليات وأحمال يتحملها الطرفان.
وقد لاحظ علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي، أن الخطاب الوعظي ساهم مبكراً منذ الدول الإسلامية الأولى في تشكيل ازدواجية الشخصية لدى الإنسان العربي، ويبدو أن الخطابات الوعظية باتت منغرسة في شخصيته -الإنسان العربي- للدرجة التي صُبغت فيها كل خطاباته الاجتماعية، وإن حاولت الظهور بمظهر العصرانية.
فيرى الوردي أن الوعظ ذو ضرر بليغ في تكوين الشخصية البشرية إذا كان ينشد أهدافاً معاكسة لقيم العرف الاجتماعي.
وشر المجتمعات هو ذلك المجتمع الذي يحترم طريقاً معيناً في الحياة في الوقت الذي ينصح الواعظون فيه باتباع طريق آخر معاكس له.
وفي هذا المجتمع ذي الوجهين ينمو الصراع النفسي لدى بعض الأفراد، ويأخذ بتلابيبهم. وقد يلجأ كثير منهم إلى حياة الانعزال والرهبنة.
أما الباقون من الناس، من الذين لا يستطيعون الاعتزال فنراهم يلجأون في سبيل التوفيق بين مبادئ الوعظ وقيم المجتمع إلى حيلة أخرى هي ما نسميها بازدواجية الشخصية.
يعتقد الحالمون أنهم كلما غالوا في طموحاتهم وصعدوا في نصائحهم إلى أجواز السماء كان ذلك أدعى إلى تحسين العلاقات الزوجية عند المقبلين على الزواج.
وإن كان من نصيحة لكل مقبل على الزواج فهي أن يقي نفسه من الصدمات التي تسببها المعايير الخرافية للزواج الأدبي والوعظي، والجدير بأولئك الحالمين أن يصوروا الزواج بشكل واقعي قريباً من متناول الناس؛ لكي يشجعهم على السعي نحوه والتنافس عليه بكل واقعية دون إحباطات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.