العنصرية هي أفكار ومُعتقدات وقناعات وتصرفات تجعل المرء أو مجموعة من الأشخاص يرفعون من قيمة أناس معينين أو فئة معينة على حساب الفئات الأخرى، أو ينزلون من مكانة أناس معينين أو فئة ما على حساب أناس آخرين، ويفعلون ذلك لأسباب متعددة يؤمنون بها داخلياً تكون بناءً على أمور مورّثة أو مكتسبة، وفي أغلب الأحيان تولّد إحساس الاحتقار للغير.
لا يوجد معيار معين يحدد متى تكون هناك عنصرية أو لماذا أحدهم يتصرف بعنصرية؛ لأنها من الأمور التي يؤمن بها الفرد وحده داخلياً، حتى وإن كان يعيش في مجتمع يتصرف كله بعنصرية ستبقي نوع عنصريته خاصة به لوحده ولا دخل للمجتمع فيها، فهي تمثل معتقداته وأفكاره الخاصة قبل أن تكون أمراً يؤمن به مجتمعه أو الوسط الذي يعيش فيه، وفي أغلب الأحيان يبادل الفرد شخصاً آخر أو مجموعة من الناس شعوره بالعنصرية بسبب لون البشرة، أو الثقافة، أو مكان السّكن، أو العادات، أو اللغة، أو المعتقدات أو العِرق والأصول، وعدة أمور أخرى تجعل من الفرد عندما يراها أو يسمع عنها يشعر بأنه يكره تلك الأمور، وأن أصحابها (أو صاحبها) يستحقون الاحتقار بسببها.
كما أنّ العنصرية يُمكن أن تعطي مناصب عالية ورفعة في الشأن للفئة التي تم رفع شأنها على حساب الفئات الأخرى؛ لأنها تدريجياً تجعل المرء يرى أن هذه الفئة أحسن منه أو مثالاً لتميّز، والبعض يراها نموذجاً للكمال؛ لذا نجد كل أفعالها أو أقوالها حتى لو كانت تافهة مثل المقدسات لباقي الفئات الأقل منها شأناً.
وليس ضرورياً أن تولّد العنصرية دائماً من طرف أشخاص مميزين نحو أشخاص بهم عيوب أو نقائص، في بعض الأحيان نجد فئة متخلفة ولا تمتلك أي شيء مميز تمارس العنصرية ضد فئة مثقفة ومميزة، وسبب ذلك يعود إلى إحساسهم بالنقص أو الحسد أمامهم أو عدم تقبل اختلاف غيرهم عنهم.
بعض الناس ينسبون الطبقية للعنصرية لكن هذه النظرية خاطئة؛ لأن الطبقية أمر موجود بوجود الاختلاف الذي خلقه الله بيننا وبوجود ما نمتلكه من أمور أو صفات لا يمتلكها غيرنا، فمثلاً لا يتساوى العالم مع الجاهل، ولا الخبيث مع الطيب، ولا الصادق مع الكاذب، ولا جميل الوجه مع الأقل منه جمالاً، وهذه ليست عنصرية أو تفرقة بل هي أمور تجعلنا لا نستوي مع بعضنا البعض في نفس المقام، بل يكون لدينا شخص في طبقة عليا وهو من يمتلك أموراً مميزة، وشخص آخر في طبقة سفلى وهو من يمتلك أموراً أقل شأناً منه.
والطبقية لها حلول تخلص الشخص منها إن كان يحس بالنقص بسببها، فكل ما عليه فعله هو الاجتهاد للوصول لما وصل إليه غيره، أو امتلاك أمور تجعله مميزاً في نظر غيره.
أما العنصرية في أغلب الأحيان ليست لها حلول ولا يوجد فيها طبقات؛ لأنها معتقدات زرعت داخل الفرد ونمت مع مرور السنوات؛ لتصبح أمراً مقدساً لديه، يصعب استئصالها، والذي يتعرض لها غالباً ما يحذف من قائمة البشر في أعين مَن يشعرون بالعنصرية نحوه.
العنصرية التي تتكون بسبب احتقار الغير للون بشرته أو معتقداته أو عِرقه وأصوله أو غير ذلك من الأمور التي تمثل مكان ولادة الإنسان أو خلقته، أو إلى الجهة التي ينتمي إليها، أي التي تعبر عن كيانه البشري هي تصرف مذموم يطعن في الإنسانية، ولا يدل إلا على أن صاحبها لا يتمتع بالإنسانية، ومن الواجب أن نتصرف مع غيرنا الذين يختلفون عنا في لون البشرة أو المعتقدات أو غير ذلك من الأمور بتواضع، وأن لا نجعلهم يحسون بالنقص أمامنا؛ لأنهم يحزنون أو يقدمون على فعل أمر يؤذيهم بسبب هذا الاختلاف.
أما العنصرية التي تتكون بسبب الاختلاف بيننا في الأفكار أو الثقافة لا يوجد ضرر كبير ينتج عنها، كما أنها قد تختفي مع الزمن عندما تصل العقول لدرجة النضوج الفكري؛ لتستوعب في الأخير أننا مختلفون، ومن البديهي أن لا نتفق جميعنا على نفس الأفكار أو المعتقدات، قد تولّد هذه العنصرية نزاعات وخلافات بين الناس، لكنها لا تطعن في بشريتهم أو آدميتهم، ولا يشعر الشخص فيها بالنقص دائماً، بل في بعض الأحيان تزيده ثقةً وتمسكاً في أفكاره ومعتقداته.
في بعض الأحيان في حياتك اليومية قد تجد نفسك بسبب اختيارك لأمر ما متهماً بالعنصرية من طرف جهات أو أشخاص تنتمي لهم، وتفكيرك يشابههم، مع أنك لم تتصرف بعنصرية، ومثال ذلك عندما يبحث الرجل عن شريكة لحياته، أو العكس عندما تختار المرأة شريكاً لحياتها، من البديهي أن الإنسان حينها سواءً كان ذكراً أو أنثى سيختار لنفسه الشريك الذي يمتلك أموراً تعجبه أو مميزة لا توجد في غيره.
لكن غيره يتهمه بالعنصرية؛ لأنه يحس أن غيره جعل أحدهم أعلى شأناً منه، ورغم وجود تفرقة بين الأشخاص هنا وإعلاء شأن أحدهم على غيره، إلا أن هذا التصرف ليس بعنصرية بل من حق أي شخص اختيار الأمور والأشياء التي تعجبه لجعلها ملكاً له، أيضاً قد تتهم بالعنصرية عندما تختار لنفسك صديقاً ترى أخلاقه حميدةً وتصرفاته راقية وترفض صداقة شخص تراه خبيثاً، وهذا أمر آخر ليس بعنصرية، بل إنه فرض وواجب عليك فعله لتعيش بعيداً عن المشاكل يجب أن تختار لنفسك صديقاً طيباً، وأن تحترس من كل شخص خبيث، وإن اتهمك الخبيث بالعنصرية فهو مخطئ، ويجب عليه تقبل الواقع بدل اتهام غيره بالعنصرية.
العنصرية تصرف مذموم موجود على سطح الأرض منذ وجود الإنسان عليها، وفيما سبق وحتى الآن كانت العنصرية سبباً لعدة مشاكل وحروب ومجازر بشعة؛ لذلك علينا أن نجد حلولاً لهذا الفعل المذموم، وأن نحاول قدر المستطاع أن نتواضع، وأن نعلم الأجيال القادمة معنى التواضع، وأن لا نتبع تلك المعتقدات البالية التي تدعو لتفرقة بين البشر؛ لأنها تمثل الجهل والشر، فلا فرق بيننا إلا في نوعية قلوبنا أو أخلاقنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.