الحركة الإسلامية والشورى

وآلية الشورى عندهم أن تُنتخب مجالس للشورى على المستويات القيادية كافة، وللوحدات الجماعية والحركية كافة، ثم تكون المجالس التنفيذية المنبثقة من مجالس الشورى هذه، والتي تدير الحركة الآنية، بمرجعية مجالس الشورى ومراقبتها، ويكون القرار في مجالس الشورى بالأغلبية، وغالباً ما يكون الأمر بالأغلبية المطلقة، أي خمسين في المائة زائد واحد.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/04 الساعة 06:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/04 الساعة 06:29 بتوقيت غرينتش

يقول الدكتور توفيق الواعي في كتابه "الفكر السياسي المعاصر عند الإخوان المسلمين"، إن الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة، وكذلك الشيخ أبو الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في الهند وباكستان، والتي تعتبر قرينة جماعة الإخوان في شبه القارة الهندية، كانا يقولان في بداية حياتهما الجماعية بالشورى اللازمة غير الملزمة، أو كانا يديران العمل على أساسها، ثم تحولا بعد ذلك للقول والعمل بالشورى اللازمة الملزمة.

وربما يكون تفسير ذلك -من وجهة نظري- أنهما قالا بالشورى اللازمة غير الملزمة في بداية عملهما الجماعي الحركي، لمّا كانا لا يرون من تلامذتهما من يطاولهما فهماً وعلماً للغاية والوسيلة، وأنهما في نهاية حياتهما، ولما رأيا أنّ كثيراً من التلاميذ قد أصبحوا لا يقلّون عنهما فهماً ووعياً ودراية لكل الأبعاد، قالا حينها بالشورى اللازمة الملزمة، والتزما بها.

ومن المعروف أن العلماء والفقهاء قد وقفوا فريقين في نظرتهم للشورى وإعمالها، فريق قال بالشورى اللازمة الملزمة؛ تلك التي تعني وجوب إجرائها من قِبل ولاة الأمر، ثم وجوب العمل بها والنزول عليها.

وفريق آخر من العلماء قال بالشورى اللازمة غير الملزمة؛ تلك التي تعني وجوب إجرائها من قِبل ولاة الأمر، ثم الخيار لهم بعد ذلك في العمل بها والنزول عليها أو لا، وذلك يعني أن تكون الشورى مجرد استبصار لصاحب القرار، وله بعدها أن ينفرد بالقرار والتوجه حيثما أراد.

وقد رأيت جماعات التبليغ والدعوة -التي رافقتها زماناً وما زلت- تعمل بالشورى غير الملزمة، حيث يستمع الأمير إلى آراء الأفراد، ثم يدعو ربه، ويختار بلا إلزام للنزول على رأي الشورى.

وهم يقولون إن الله يؤيّد الأمير بالحق، وذلك شريطة أن يُجري أولاً الشورى المباركة، ويستمع لرأي الأفراد، ليكون هادياً له ومُعيناً في أخذه القرار منفرداً.

ومعروفٌ أن جماعة الإخوان المسلمين، وهي المقصودة -كما أسلفنا- بمصطلحنا "الحركة الإسلامية"، قد اعتمدت في حركتها وأدبياتها الشورى اللازمة الملزمة، ولم يعد الأمر عندها، منذ زمانٍ، محل خلاف أو نقاش وجدال.

وآلية الشورى عندهم أن تُنتخب مجالس للشورى على المستويات القيادية كافة، وللوحدات الجماعية والحركية كافة، ثم تكون المجالس التنفيذية المنبثقة من مجالس الشورى هذه، والتي تدير الحركة الآنية، بمرجعية مجالس الشورى ومراقبتها، ويكون القرار في مجالس الشورى بالأغلبية، وغالباً ما يكون الأمر بالأغلبية المطلقة، أي خمسين في المائة زائد واحد.

لكن، وبرغم ذلك، تظل الشورى وآلياتها إشكالية كبرى داخل الحركة الإسلامية.
ففي انتخاب مجالس الشورى، كثيراً مما تتحكم الأهواء والأغراض، فيُقدَّم مَن حقُّه التأخير على مَن حقُّه التقديم، لا لشيء إلا لأن المُقدَّم أهلٌ للثقة حتى ولو لم يكن من أهل الكفاءة.

وهذا ما يحدث في مجالس الشورى ومجالس التنفيذ على السواء، وهو ما أصبح يشكل الظاهرة المخيفة.

كما أن الحركة الإسلامية قد ابتُليت بنفر من القيادة، نصّبوا من أنفسهم أوصياء عليها وحرّاساً لها، فعطَّلوا الشورى في بعض القرارات والتوجهات، وأبعدوا عن منصة القيادة أحقاء بها، وقرَّبوا آخرين، كل ذلك تحت دعوى مصلحة الدعوة والجماعة، والحفاظ على الثوابت والأسس، مما أحدث أكبر الاضطراب؛ بل وأكبر الانقسام والتشرذم والتشتت.

وعلى الجانب الآخر، ابتُليت الحركة الإسلامية بنفر من قيادتها، يُعملون الشورى بغير آلياتها، وبغير رجالها، وفي غير وقتها؛ من أجل أن يعزلوا ويولُّوا، لكي يحققوا -كما يقولون- التغيير والتطوير اللازم للجماعة والحركة.

وما كان لهؤلاء وأولئك أن يحيدوا بالشورى عن دورها المرسوم اللازم، لولا ذلك النفر من أفراد الحركة الإسلامية، الذين تربوا على فهم خاطئ لبند خطير من بنود التربية الجماعية الحركية، وهو بند السمع والطاعة، فظنوا أن السمع لا بد أن يكون كسمع الببغاء، وأن الطاعة لا بد أن تكون طاعة عمياء، وما بعدهما إلا الترديد لما يقوله القادة، والتوجه لما يريده القادة، دون مساءلة عن آليات اتخاذ القرار، ولزوم إجراء الشورى على وجهها المستحق، ودون محاسبة ومراجعة بعد ذلك.

وقد ضاعت الحركة الإسلامية، أو يُخشى عليها أن تضيع من جمود ووصاية هؤلاء، وتهوُّر وغوغائية هؤلاء، وسلبية وصفرية هؤلاء.

ليس هناك خلل يُذكر في نظرية الشورى بأدبيات الحركة الإسلامية، وفي لوائحها وقوانينها الداخلية، فالصورة تكاد تكون كاملة. ولكنّ ذلك لا يتعدى النظرية؛ أدبياتٍ ولوائحَ وقوانينَ. أما عن الممارسة العملية والتطبيق، فما يزال الخلل والنقص في كثير من النواحي، والظن أنه سيستمر، ما دام البشر بشراً، لا يستطيعون بحال من الأحوال أن يتعالوا على حظوظ نفوسهم وتطلعاتها إلى السيادة والقيادة، ولا أن يتخلوا عن قصور عقولهم عن تمام الفهم والعلم، ولا أن يَنفضوا عن أنفسهم السلبية التي تجعل قيادتهم في أيدي من لا يبالون بهم، ولا يقيمون لهم وزناً.

لا بد من تفعيل الشورى تفعيلاً تاماً، بداية من اختيار مجالسها المنتخبة في أجواء تامة من الشفافية، ثم تقوم المجالس المنتخبة بدورها في وضع الأطر والاستراتيجيات، ومراقبة ومحاسبة المجالس التنفيذية، مع القدرة التامة على العزل والخلع، والتولية والتغيير، وتكون المحاسبة من المجالس الشورية للمجالس التنفيذية مراقبة تامة لكل صغير وكبير، فلا مجال مطلقاً لسرّيّة في أي جزئية من جزئيات العمل والحركة، ولا مكان لأهل السّريّة بعد اليوم، إلا السرية اللازمة لحماية الحركة من عيون أعدائها، وهي سرية عامة، يقوم بها جسد الحركة كله، ولا يقوم به جيب هنا أو جيب هناك.

الولاية الحقيقية في الحركة الإسلامية هي ولاية الشورى فيها، فما عاد مكان لفرد مهما بلغت إمكاناته ليسير بالحركة كيفما أراد برأيه المنفرد، وكذلك لم يعد مكان لمجموعة مهما بلغت إمكاناتها وحسن نواياها لتسير بالحركة بعيداً عن مؤسساتها الشرعية المفترضة.

خلاصة القول، "الشورى ومؤسساتها.. وإلا فالحركة الإسلامية إلى ضياع".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد