شباب من حديد

أصبحنا أرواحاً منهكة ذابلة في جسد يافع نحمل أثقال الكون، أو أكثر ما عدنا نسأل عن شيء ونحن نبتسم وننتظر جواباً، بل ننتظر صمتهم، أجبنا عن كل الأسئلة وحدنا، لست متأكدة إن كانت تلك الأجوبة صحيحة أم خاطئة، لكنها ترسخت.

عربي بوست
تم النشر: 2018/02/03 الساعة 01:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/02/03 الساعة 01:30 بتوقيت غرينتش

هل نحن سيئون لهذا الحد كي تفعل بنا السنون ما فعلته بنا؟ هل نستحق أن نجرد من عالمنا الطفولي والخيال الملون الحرّ ذاك الذي لا يحكمه أي قانون ولا منطق؟ لقد كان طاهراً بطعم الحلوى والفراولة، هل نستحق أن نصير إلى مخلوقات تتحدث بلغة غير مفهومة ونعلم أن المال هو ما يجب أن نحيا من أجله، أن يتحول مفهوم الدراسة من تلك الفرحة العارمة لنُطقنا كلمات وقدرتنا على تذكر معلومتين عن نمو الزهور إلى ضرورة ملحة للسيطرة والغنى؟!

كل الأمهات يتمنين لحظات كثيراً ألا نكبر، خاصة حين كنا نستنتج استنتاجات تعتبر بلهاء أو نسأل أسئلة تعجيزية لا يجبن عنها، تنظر إلى عيني صغيرها وتتمنى حقاً ألا يكبر؛ لأنهن يعلمن جيداً أننا سنصبح ما نحن عليه الآن.

أصبحنا أرواحاً منهكة ذابلة في جسد يافع نحمل أثقال الكون، أو أكثر ما عدنا نسأل عن شيء ونحن نبتسم وننتظر جواباً، بل ننتظر صمتهم، أجبنا عن كل الأسئلة وحدنا، لست متأكدة إن كانت تلك الأجوبة صحيحة أم خاطئة، لكنها ترسخت.

مَن كان يعلم أننا سنصل إلى وقت ننتحر فيه كل يوم، أن نستبق فصول العمر، فنبدأ بالخريف، أن نحسد من هم في القبور، ونحن لم نعش بعد ولم نتخرج في الجامعة، ولم نحصل على حب كذاك الذي قرأنا عنه في الكتب، أن نكون على عكس كل الأجيال التي سبقت أولئك المغامرين الذين احتفظوا بأحلام الطفولة وأبدعوا بها.. الأغلب يرى أن مَن سبقوا كانوا مملين وبلهاء، لكننا الآن في حاجة لتلك البلاهة كي نعمل وكي تدفع فينا حب الحياة.

أما نحن فلا يذكرنا بطفولتنا إلا أصوات آبائنا وهم يتحسرون على أبنائهم وعلى أنفسهم، علموا جيداً أننا سنتغير، لكن ظنوا أنه فقط مواضيع حديثنا ستصبح أكثر جدية، لم يتوقعوا أبداً أن نتحول إلى وحوش عابسة تجيد الصراخ أكثر من الصمت والطلب أكثر من العمل.

وتبقى الحسرة على تلك الأحلام التي تلاشت وذاك القوس قزح الذي أصبح معبراً حديدياً صدئاً من كثرة اليأس وتوالي الضربات.

أحلامنا فقدت بريقها، أصبحت حادة باللون الرمادي الغامق، فكل سنة تمر نتأكد أن الحياة ليست لكل الناس، وأن القيم التي تعلمناها وربّينا عليها في الصغر لا تنفع في كون يمشي بقانون الغاب، وكرهنا تلك التربية، وتحسرنا على عمر كنا نعتقد أن الحياة مثالية كعالم "الفيل بابار".

لم نجِد التعامل مع هذا العالم المخادع الذي حوّلنا إلى أكياس ملاكمة نتحمل الضربات ولا نشتكي.

كلما نظرنا إلى المرآة لا نرى إلا جسماً أجوف خالياً من كل أحلام استثنائية، لا خيول طائرة، ولا نهر من حليب، ولا فساتين من ورود، فقط بعض الطموحات التي نتشاركها مع كل أبناء جيلنا، بُرمجنا عليها ففقدنا الإحساس وأصبحنا آلات تعمل نهاراً، وتستظهر ذلك العمل ليلاً ونحن مغمضو الأعين، لا شيء يستحق تسميته الأصلية تلك الصيغ التي تعبر عن الحياة، بل أصبحنا أشياء ننطفئ لنستريح، ثم نشغل لنشتغل وكفى.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد