لا يخفى على الجميع أن اللغات الأجنبية أصبحت جزءاً رئيسياً، سواء في حياتنا المهنية أو الأكاديمية، وخصوصاً اللغة الإنكليزية التي تعتبر لغة العلم في وقتنا الحاضر.
فاللغات بشكل عام هي النافذة التي تمكّننا من معرفة ثقافة الآخر عن قرب، كما قال أحد الحكماء.
وفي نفس السياق يضيف آخر أن الأمي اليوم ليس الذي لا يستطيع الكتابة أو القراءة، ولكن الأمي هو الذي لا يمكنه التحدث بلغة أخرى.
رغم هذا تبقى اللغة غير فعّالة إن لم نتمكن من التواصل بها، سواء كان التواصل كتابياً أو شفهياً.
كل هذا يجعلنا نتساءل حول الطريقة المثلى التي تمكننا من إتقان اللغة الهدف التي نحن بصدد تعلمها.
إذا قمت بطرح التساؤل نفسه على العامة أو على المختصين على حد سواء فإن أغلبهم سيتفق على أن العيش في البلاد الناطقة بتلك اللغة سيكون الطريقة المثلى لتعلمها.
هذا ما يسميه المختصون الانغماس اللغوي بحيث إن المتعلم يقوم بتعلم اللغة في بيئتها الأصلية. فنحن كعرب إذا أردنا تعلم اللغة الفرنسية على سبيل المثال وجب علينا الذهاب إلى إحدى الدول الناطقة باللغة الفرنسية.. والعكس صحيح مع الأجنبي الذي يود تعلم العربية.. ولكن ماذا لو كنا غير قادرين على السفر إلى بلدان أخرى؟ ماذا لو أن جيوبنا غير قادرة على توفير هذا النوع من التعلم؟ ما الحل؟
باعتباري أستاذاً للغة أجنبية فإنني دائماً ما أبحث عن سبل تجعلني أنمي مهاراتي اللغوية والمهنية حتى أتجاوز مرحلة الخطر ألا وهي أن أكون التلميذ النجيب في قسمي.
مؤخراً وأنا أبحث عن بعض المقالات في الشبكة العنكبوتية، التي من شأنها تزويد القارئ باستراتيجيات تمكنه من تطوير وتعزيز القدرات التواصلية التي تعتبر محور تركيز المتعلم والمعلم على حد سواء، لفت انتباهي أحد المقالات التي تتحدث عن تجربة أحد التلاميذ الأميركان الذين وصلوا إلى مستوى متميز من إتقان اللغة العربية، وخصوصاً في شقها الشفهي، وذلك بناءً على معايير الأكتفل العالمية لتحديد المستويات اللغوية.. مقدمة المقال جعلتني أتشوّق لمعرفة القصة كاملة حتى أتمكن من الوصول إلى الوصفة السحرية التي اتبعها التلميذ مارك، الذي كان محور اهتمام صاحبة المقال والتي تعمل كباحثة في تعلم اللغات الأجنبية.
عند لقائها الأول بمارك تقول كييكو بأن الشيء الأول الذي لاحظته هو أن مارك كان يضع سماعات على أذنيه.. فلما قامت بسؤاله عن الشيء الذي يستمع إليه، أجاب قائلا بأنه كان يستمع إلى نشرات الأخبار وأشياء أخرى باللغة العربية. وحتى يتمكن من أن ينغمس بشكل كلي في اللغة العربية قام مارك بتسجيل البرامج الإذاعية والتلفزيونية والأغاني والأخبار تحميلها على جهازه الآيبود.
رغم أن مارك كان قد قام بالدراسة في بعض الدول العربية في السابق، فإنه ببلده الأم قام بتأسيس فلسفة تعلمية لنفسه، والتي يصفها بـ"الفقاعة العربية" والتي يعتمد فيها مارك على طرق تمكنه من العيش بالدول العربية دون الحاجة إلى السفر إليها مرة أخرى.
هذه الطرق تتمثل في التفكير باللغة الهدف بشكل دائم والاستماع إلى الشعر العربي المعاصر والكلاسيكي، وأيضاً الاستماع إلى القرآن الكريم رغم أنه ليس بمسلم.
هذا ويقوم صديقنا مارك بتقليد المحادثات والخطابات حتى يتمكن من التفاعل مع اللغة بشكل كامل، وفي نفس الوقت تعزيز مستواه اللغوي.. ويركز مارك على أن الانضباط كان عاملاً أساسياً في رحلته التعليمية المليئة بالتشويق.
في الحقيقة رحلة مارك مع اللغة العربية ألهمتني وجعلتني أعقد العزم على اتباع فلسفة ناجحة كفلسفته، وذلك بتأسيس "فقاعة" مماثلة، ولكن باللغة الإنكليزية تمكنني من الوصول إلى مستويات عالية كالتي وصل إليها صديقنا الأميركي ومشاركة هذه التجربة مع تلاميذي.
النتيجة كانت هي أنني اتفقت مع تلاميذي على شراء قصص تتلاءم مع مستوياتنا، وتحميل الملفات الصوتية المرفقة بها عبر أجهزتنا الإلكترونية والسماع لها أينما حللنا وارتحلنا، كما أنني نجحت باستدعاء بعض الأصدقاء الذين لغتهم الأم هي الإنكليزية؛ كي يتحدثوا معنا عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، حتى نتمكن من تطوير مهاراتنا الشفهية والتواصلية بشكل جيد.
في عصرنا الحالي تأسيس "فقاعة" كالتي أسسها مارك ليس بالأمر الصعب أو المستحيل، كل ما يلزمنا هو عزيمة متوقدة وانضباط متواصل حتى نتمكن من تحقيق الأهداف التي أسّسناها في بداية مشوارنا التعلّمي للغة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.