تقول القاعدة (مع أنه عرف لغوي واجتهاد) بوجوب تغليب المذكر على المؤنث في الجمع، بمعنى لو اجتمعت مجموعة من النساء وبينهن رجل واحد تصبح المجموعة وجوباً في حكم جمع المذكر، وذلك بغير تفاضل أو تمييز في الحكم بين الجنسين؛ لأن مبنى التغليب أن يجتمع شيئان لتناسب بينهما بوجه من الوجوه حسب الزركشي، والهدف من هذا التغليب حسب جمهور اللغويين أمور عديدة كالاختصار والخفة، كما قال سيبويه: "واعلم أن المذكر أخف عليهم من المؤنث؛ لأن المذكر أول وهو أشد تمكناً، وإنما يخرج التأنيث من التذكير، ألا ترى أن الشيء يقع على كل ما أخبر عنه من قبل أن يُعلَم أذكر هو أو أنثى، والشيء ذكر".
كما أجمع أهل اللسان العربي على أن مخاطبة النساء بصيغة المذكر تكون أيضاً من باب التعظيم، وهو نمط تعبيري عربي قديم، فتُخاطب المرأة الواحدة بالجمع "أنتم"، وليس "أنتن" من قبيل تعظيمها وتفخيمها، وهناك نماذج عديدة خاصة في الشعر مع أني أجد أن توظيف المذكر في الغزل خاصة استعمل لإخفاء هوية المحبوبة، وكي لا يعرف الشاعر بامرأة بعينها أكثر منه تعظيماً، قال ابن أبي ربيعة:
قالت أجيبي عاشقا *** بحبكم مُكلّف
ولابن زيدون في ولادّة:
بنتم وبِنّا وابتلت جوانحنا *** شوقا إليكم ولا جفّت مآقينا
وقد صدق سيبويه بخصوص أن المذكر أخفّ من المؤنث، وله في زمننا نماذج لا تدع من شك حول هذه الخفة والسلاسة التي أصبح يبرع فيها الذكور، ولم يعد للنساء من مجال للمنافسة فيها، فكيف للمرأة اليوم أن تتقدم على بعض الرجال في مجال الرقص؟ أو أن تضاهي خفة بعضهم في وضع المكياج وتطبيق آخر تقنياته على وجوههم؟
جميل أمر تعظيم المرأة بتوظيف صيغة جمع المذكر يوم كان المذكر في بسالة عمرو بن كلثوم وعظمة عمر بن الخطاب وأنفة عبد الكريم الخطابي و..و.. لكن أن تجمع المرأة جمعاً غير سالم ولا سليم مع نظير ذلك المذكر الذي طار عقله بقبلة المغنية كاتي بيري في حفلتها ليلة رأس السنة، وسط أبوظبي، أصبح أمراً غير مستساغ، أو أن تجمع جمع رجال يتباهون بانتعال أحذية بكعوب عالية ويعطون دروساً في عرض الأزياء بسراويلهم الملتصقة، وأجسادهم المنحوتة أصبح أمراً غير مقبول.
كيف للنسوة التي يخرجن مع الفجر سعياً وراء رزق أولادهن وتهان كرامتهن يومياً، ويحملن ما لا يطاق على ظهورهن ويَمُتْن تدافعاً عبر الممرات وأمام بوابات الجمارك على مرأى الحرس والمسؤولين أن يخاطبن بصيغة المذكر، ويُجمعن مع سي السيد الذي ينتظر على المقهى دون أي إحساس بالذنب نصيبه من عرق يومهن الشاق؟
كيف سنبني اليوم جملة نجمع فيها بين شجاعة عهد التميمي ومثيلاتها وشاب من أصحاب العضلات المفتولة الذين لا يغادرون صالات الرياضة، لكنه يخفي من الجبن والخوف ومن الأعطاب النفسية ما يندى له الجبين؟
فلولا أن لكل قاعدة شواذّها، ولكل زمن شُذّاذه، لرفعت من سقف مطالبي في هذا الخصوص، لكن لا بأس من مزيد من الانتظار، عسى الحصافة تعود لقواعدها من جديد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.