كيف يبدو حقاً تربية طفل يعاني مرضاً مزمناً؟

لم يعانِ طفلي أي مرض صحي عند ولادته، ولذا لم أتوقع أبداً أنَّ اختبار الدم البسيط لمعسكر الصيف يمكن أن يغير مجرى حياته بالكامل: إذْ جرى تشخيصه بمرض السكري من النوع الأول.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/31 الساعة 06:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/31 الساعة 06:39 بتوقيت غرينتش

استمر طفلي ويليام في مثابرته منذ أن كان في الرحم، كانت قدرتي على التحرك محدودةً أثناء حملي بسبب المشيمة المنزاحة والعديد من حالات الإجهاض التلقائي السابقة والالتهاب الشعبي الحاد.

كما أن الدخول إلى غرفة الطوارئ كل شهر؛ لأنني أنزف، أجبرني أنا وزوجي على التعجيل بمخططات زفافنا من عامين إلى بضعة أشهر، بينما حاولنا تقبل الواقع المرير بأنني من المحتمل ألا أنجو بعد إجراء عملية قيصرية اضطرارية.

ولحسن الحظ، كان وزن ويليام صحياً؛ إذْ بلغ 8 أرطال، 11 أوقية. وخضعت لعملية نقل دم طارئة فور ولادتي مباشرة.

لم يعانِ طفلي أي مرض صحي عند ولادته، ولذا لم أتوقع أبداً أنَّ اختبار الدم البسيط لمعسكر الصيف يمكن أن يغير مجرى حياته بالكامل: إذْ جرى تشخيصه بمرض السكري من النوع الأول.

وأمضيت الرابع من يوليو/تموز بجناح الأطفال بمستشفى بروكلين، وأنا أستمع إلى طفلي وهو يتوسل إلى الممرضين والممرضات بألا يقوموا بوخز الإصبع أو حقنه بمادة الإنسولين من أربع إلى ست مرات يومياً.

وقبل تشخيصه، كنا في الأغلب نعلم بشأن داء السكري من النوع الثاني. وليس بالغريب أن نسمع عن إصابة أفراد من الأسرة بداء السكري من النوع الثاني، وخاصة في المجتمعات ذات الأصول العرقية الملونة وهو ذلك الذي يظهر في معظم الإعلانات التجارية والمعلومات التي تستهدف الجمهور.

إذا لم تكن تصدقني، متِّع نفسك بالنظر إلى نقص المعلومات المتعلقة بالنوع الأول على موقع جمعية السكري الأميركية American Diabetes Association.

وفي يوم تشخيصه، أوضح الطبيب أن بنكرياس ويليام لا يعمل من تلقاء نفسه. ويمكنه أن يعيش حياة طويلة طالما أننا نهتم به بدأب. ولحسن الحظ، جرى تشخيص ويليام في وقت مبكر إلى حد ما. فإذا جرى اكتشاف إصابته بالسكري مؤخراً، كان من المحتمل أن يدخل في غيبوبة أو يموت.

وفي وقت لاحق، ظهرت الكثير من الدلائل على حالته. وكان ويليام يشعر بالعطش باستمرار على مدار أشهر. وأخبرناه أن يتوقف عن شرب الكثير من العصائر واقترحنا شرب الماء. وكنت أسمعه في بعض الأحيان وهو يستخدم المرحاض مرتين أو ثلاثاً أثناء الليل، ثم بدأ يتعرض لحوادث التبول في الفراش. وكنت أقوم أنا وزوجي بتغيير الملاءات وأرشدناه بألا يشرب أي شيء قبل ساعة من الذهاب إلى الفراش، وأخبرناه أن يحاول الحصول على قسط من النوم. وكانت هناك أيام يشعر خلالها ويليام بالترنح، لكنني ساعدته على التخلص من ذلك، خاصة إنه يرغب في عذر للتغيب عن المدرسة.

وتعلمت أنا وزوجي إريك كيف نلبّي احتياجات ويليام بالشكل المناسب. وفي غضون أيام قليلة، تعلمنا كيفية حساب عدد الكربوهيدرات الموجودة على الجزء الخلفي من المعلبات، وما هي الأطعمة التي ينبغي أن نتجنبها وكيف نتعامل مع الحالات الطارئة.

وتحوَّل الروتين المعتاد بدءاً من تذكير ويليام أن يغسل أسنانه والتحقق من مستويات الجلوكوز لديه واختبار بوله للتعرف على الكيتونات وإعطائه جرعة الدواء، وصولاً إلى تنظيم مستويات الجلوكوز بعد كل وجبة. كما شاهدت براءة طفلي وهي تخرج من الباب وتُستبدل بأصابع متصلبة ومواضع الحقن المتورمة.

وتعتبر محاولة إعطاء الطفل حقنة الإنسولين من الأمور الصعبة، لكن العثور على طرق سلسة لتوضيح الوفيات للأطفال قبل سن المراهقة يعد غاية في الصعوبة. وعلى الرغم من بلوغي الـ 32 ومروري بعقد من المشاكل الصحية، لم أتقن هذا المفهوم بشكل كامل.

إن كونك أحد الوالدين لطفل يعاني مرضاً مزمناً يشبه الشعور بانهيار الرئة وبعدها التنفس من خلال أنبوب.

في البداية، وجدت نفسي أحوم حول صدر طفلي أثناء نومه لفترات قصيرة بالنهار للتأكد من أنه ما زال على قيد الحياة.

ولا يمكن لجميع الكتيبات والتعليمات الموجودة في العالم أن تجهزني نفسياً للأسى الذي شعرت به حيال مرض ابني. فعندما جرى تشخيصه لأول مرة، وجدتني أبكي بهدوء قبل شروق الشمس أو أستحم لوقت طويل كي أمنع طفلي من رؤيتي وأنا بهذه الحالة. وشعرت باضطراب في نومي بسبب الكوابيس المتعلقة بدفن طفلي.

هناك قدر كبير من عدم القدرة على التنبؤ بهذه الحالة المزمنة. ففي كل مرة يستيقظ فيها ابني وهو يعاني من ألم بالمعدة أو الدوار، يكون أول ما أقوم به هو التحقق من أرقامه. ففي مرحلة ما، كنت أهز ويليام النائم لنصف ساعة؛ لأن معدل الجلوكوز في دمه انخفض إلى 30s. ويتراوح المعدل الطبيعي للجلوكوز بالدم بين 70 و99 عند عدم الأكل. فأي شيء يقل عن 50 على جهاز قياس الجلوكوز يشير إلى أن حقنة الجلوكاجون وحدها – أحد الهرمونات التي ربما ترفع نسبة السكر لدى ويليام إلى رقم مرتفع بشكل استثنائي في غضون دقائق – يمكن أن تُبقي طفلي على قيد الحياة.

ويمكن لأي شيء يقل عن 30 أن يشير إلى تعرض طفلي لنوبة أو أن يتعرض لفقدان الوظائف العقلية.

فعندما أفكر بأن لدينا فهماً لمستويات الجلوكوز لديه، يمكن لأي شيء بدءاً من التغيرات الهرمونية التي تحدث بشكل طبيعي أثناء سنوات المراهقة ووصولاً إلى نزلات البرد أن يغير نظامه الغذائي. وبنفس القدر من الدقة، أشعر بالخوف من أن يأتي يوم يصل فيه نظام الإنسولين لديه إلى نسبة كبيرة لا يمكن لجسمه التعامل معها.

لا تعتبر الأنشطة العادية دائماً عادية. إن أخذ ويليام إلى المطعم يتطلب أن أقوم أنا وزوجي بطلب بطاقة المادة الغذائية على الطاولة، والتي لا تتوافر باستمرار. وتعتبر بعض المواقع جيدة للغاية للاستفادة منها في قياس نسبة الكربوهيدرات. وإذا باءت كل المحاولات بالفشل، ألجأ إلى الدليل الشخصي، أو إلى الدخول إلى القائمة المخزنة في العقل بعد سنوات من تذكر معدل الكربوهيدرات في الأطعمة الشائعة.

ويجب على ويليام إجراء اختبار وخز الإصبع لفحص مستويات الجلوكوز لخمس مرات على الأقل يومياً. وعند القيام بالأمر في الأماكن العامة فإن هذا يعرضه للتساؤلات غير المرغوبة أو للأمنيات الطيبة غير المجدية. ويدفع بعض الأشخاص بعلاجاتهم المثلية أمام طفلي، الذي يأمل في علاج قدْ لا يظهر في حياته.

وبصفتك أحد الوالدين عليك أن تحمل وعاءً مليئاً بأقراص السكر وجهازاً لقياس الجلوكوز وقلم الإنسولين المعبأ مسبقاً تحسباً لتعطل جهاز الـ OmniPod، كما أصبحت على مضض ذلك الشخص الذي يلجأ إليه الأقران للحصول على أي معلومات تتعلق بمرض السكري. ويبدو الأمر وكأنني عالقة في منطقة رمادية بين أشخاص يحاولون تقديم العزاء قائلين: "يمكن أن تصبح الأمور أسوأ" أو يعقدون مقارنات مع قصص مفزعة عن العمة جين التي توفّيت من عشر سنوات بسبب داء السكري من النوع الثاني.

وعلى النقيض من معظم الأطفال، لا يستطيع طفلي تناول أي وجبة دون تسجيل كل الأشياء التي يأكلها أو يشربها. ويمكن للأشياء الصغيرة مثل الحلوى أن تشكل بعد ساعات خطراً يمكن أن يؤدي إلى قضاء ليلة في غرفة الطوارئ، بينما نفكر في سبب ارتفاع أرقامه بشكل كبير الأمر الذي أدى إلى دخوله في غيبوبة السكري.

وأحياناً أضطر إلى تذكير نفسي بأنه ما زال طفلاً، وأتمكن من السيطرة على نفسي وسط الحديث مرتين على الأقل في كل أسبوع، كما أشعر بالغضب؛ لأنه نسي أن يأخذ جهاز القياس ولوازمه إلى المدرسة.

وذهب ويليام إلى حفل عيد ميلاد أفضل أصدقائه في مارس/آذار الماضي. وبعد فترة وجيزة، خرجنا لتناول العشاء، وطلبنا الطعام واستقللنا المترو. وبينما كنا في طريق عودتنا إلى المنزل، بدأت تظهر على صغيري علامات التعب وارتفعت درجة حرارته كثيراً.

ويعتبر التعرض لحالة طارئة في المترو من الأمور الكارثية، إذْ أمسك الركاب الباب لي في شارع جاي فيما حملت ابني لأدوار عديدة من الدرج. وبينما ساعدني أحد المارة في تهدئة طفلي، تحدثت إلى 911، فيما صرخت أخرى عندما سمعتني أخبر المرسل أنني قدمت لطفلي البيرغر قبل ساعة.

وصرخت قائلة: "يا لكِ من حمقاء لعينة، آمل أن تسحب خدمات حماية الأطفال حقوقك. لا يمكن إعطاء شخص مصاب بالسكري شطيرة بيرغر، أيتها الخرقاء! إذا مات طفلك، ستكونين السبب!".

قبل أن أعرف ذلك، دخلت في جدال كامل حول طفلي المريض فيما حاولت بالغة أخرى تلقيني محاضرة بطريقة متعجرفة عن داء السكري من النوع الثاني، وهو مرض لا يعانيه طفلي. أعلم بأنها تحدثت بدافع من الجهل والقلق. ومع ذلك، من الصعب ألا تدافع عن مهارات الأبوة والأمومة أمام أشخاص يصدرون أحكامهم عليك في أمور لا يعرفون عنها شيئاً.

وبعد مُضي ثماني ساعات داخل حجرة طوارئ مكتظة، انخفضت أرقام الجلوكوز لدى ويليام إلى معدلاتها الطبيعية ونجونا من الزيارة الليلية المفاجئة (ولكن ليس المبلغ الضخم).

مؤخراً، طلب ابني أن "أتركه يكبر"، وأدركت أنني أفرط في الاهتمام بطفلي منذ تشخيصه.

لقد تغيرت حياتي الاجتماعية بطرق عدة منذ تشخيص ابني. فلا يمكنني استدعاء أي جليسة أطفال وحسب لحضور اللقاءات الاجتماعية. علينا أنا وزوجي البحث بدأب في قائمة الأصدقاء وأفراد الأسرة المحدودة للغاية عن هؤلاء الذين لا يشعرون بالفزع من إعطاء طفلي دواء الإنسولين رغم إمساكنا بأيديهم أثناء العملية. ويعني أيضاً أنني لن أسمح له بالنوم خارج المنزل إلا إذا كان أحد الوالدين مُدرباً على تلبية احتياجات ابني.

لقد نفدت أساليبي الذكية في إخبار طفلي أنّ تشخيصه يجعله رجلاً خارقاً. آمل بأن يتعافى من حالته، لكنه لا يستطيع التغلب على هذا المرض. ومع ذلك، أشجّع طفلي كي يصل إلى أفضل ما بإمكانه.

وكمعظم الأطفال، يحب ويليام ألعاب الفيديو والرسوم المتحركة بشكل استثنائي. وتذهلني براعته. ومؤخراً، طلب منّي أن "أتركه يكبر". وأدركت أنني أفرط في الاهتمام بطفلي منذ تشخيصه. لم أكن أعرف أنني أعوق طفلي بسبب مخاوفي المتعلقة بتشخيصه.

علّمني ويليام الكثير عن قوتي الداخلية وقلبه. فعلى الرغم من أنه مصاب بمرض مزمن، يشعر بالقلق على الجميع. ويعتبر ويليام واحداً من أكثر الناس مراعاة للآخرين الذين قابلتهم في يوم من الأيام.

أشعر في بعض الأيام بالسأم من أصدقائي ومن أفراد الأسرة ممن يشيدون بي لكوني "قوية". فلم يختَر أحد أن يصبح قوياً على حساب صحة أطفاله. ولكن من خلال تشخيصه، تذكرت أنه أكثر من مجرد طفل يعاني مرضاً مزمناً؛ ويليام هو قلبي.

هذه التدوينة مترجمة عن النسخة الكندية لـ"هاف بوست"، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد