يعز عليّ أن أنعى لأمة الإسلام شلةً من زمرة حثالة البشر، الذين أطلّوا علينا برؤوسهم من جحورهم كالضِباء، ولم يتورعوا خجلاً أن يأرزوا على بطونهم؛ ليفسدوا محافل ومآدب الرحمن التي تُتلى فيها آياته البينات من الذكر الحكيم.
إنهم ثلة من الحُفاة، اعتادوا على اللهث وراء بعض القراء ممن يحيون سرادقات العزاء ليصنعوا منهم مشاهير، وإن أنصفناهم فأقل أن نَصِفَهم بأنهم "بطانة" السوء يجلسون على مأدبة القرآن دون تأدّب لصنع هالة من التشجيع لبعض المقرئين مقابل حفنة من الجنيهات، مع العلم بأن هذا العمل الرخيص المُضِل بل الأضلّ يعد استهزاء بكتاب الله عز وجل.
هل وصل التخلف والجهل أن يستعين بعض من المقرئين – ولا أعمم الجميع – ببطانة لهم أو شلة من البلطجية لصنع حالة من الفوضى العارمة أمامهم داخل سرادقات العزاء عقب كل آية تتلى.. أم أنها موجة هوس أصابت المجتمع في مقتل؟
أفزعني مقطع فيديو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لأحد المقرئين داخل "سرادق" عزاء؛ حيث تلا الشيخ آيات من كتاب الله ترنم بها بصوتٍ متقطع أشبه بصوت القارئ الراحل "الشيخ عنتر مسلم"، وما أن انتهى من تلاوة آية قرآنية حتى انتفض بعض الحضور لتشجيع القارئ بجنون، فكانت المفاجأة المدوية أن هناك بعضاً من النسوة وقفن خلف مقعد المقرئ شاركن بالتصفيق ثم انطلقن بعاصفة من الزغاريد اخترقت صوان العزاء، في مشهد مُخزٍ مُخجل ربما كان الأول من نوعه في التاريخ!
إذا كان الرجال يهللون لصوت المقرئ الذي أطربهم، فجدير بالنساء أن يكشفن خمرهن؛ ليطلقن الزغاريد ضاربات بعورة أصواتهن عرض الحائط، ولا عجب أن يتراقصن طرباً على صوت المقرئ المُغني.
مشهد آخر من الكوميديا السوداء يعد قمة السخرية والاستهزاء بآيات الله جلّ في علاه:
مقطع فيديو آخر لأحد المشايخ قرأ فيه آية قرآنية فانتفض أحد المشجعين استحلف المُقرئ أن يعيدها مرة أخرى، وما لبث المشجع أن أستلّ "مِطواة قرن غزال" من ثوبه شهر نصلها في وجه المقرئ، الذي لم تبدُ عليه أدنى علامات الذعر أو الارتباك أو حتى المفاجأة، بل جلس مبتسماً ضاحكاً من فعله، وكأن المشهد برمته متفق عليه من قبل على طريقة دراما مذيعات "التوك شو" أو برامج "مقالب" شهر رمضان.
مشهد ثالث ضمن السيناريوهات "المفبركة" داخل سرادقات العزاء، لمجموعة من الشباب يتراقصون أمام المُقرئ عقب كل آية، بلغ بهم السفه إلى أن قاموا بحمل مقعد المقرئ ليؤرجحوه ثم أعادوه إلى مكانه مرة أخرى!
هل وصل بنا الأمر إلى التهريج في سرادقات العزاء إلى حد الانحطاط الأخلاقي، والتدني لهذه الدرجة؟
هل أصبح القارئ يستهوينا طربُه ونغمُه لا من معاني القرآن فيصيح البعض في نهاية الآية بالثناء على القارئ والدعاء له وتقبيله والتمسح به؟
أين نحن من أسلافنا؟ وقد اتخذنا القرآن أغاني، وأصبح القارئ يتفنن في النغم، ولم تسلم (بسم الله الرحمن الرحيم) من التلحين، وأصبح المقرئ يعيد فيها ويزيد، وإلى الله المشتكى.
أين نحن من حرمة القرآن الكريم؟ أين نحن من قول رب العزة تبارك وتعالى الذي أمرنا بالإنصات والتدبر والإصغاء لمحكم آياته؟
قال رب العزة في كتابه الكريم في سورة الأعراف: (وإذا قُرئَ القرآنُ فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون).
وفي سورة الأنفال: (إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياتهُ زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون).
وفي سورة الإسراء: (قُل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً).
وفي سورة ص: (أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تُتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبُكياً).
يا أهل "الميت" إذا كانت أول ليلة يبيتها "متوفاكم" في قبره تُحيونها بهذه المراسم فكيف بالقادم، إذا كان المقرئ المشهور سيفتح باباً للبِدع، وساحة للتفاخر والتباهي والمغالاة، فمن الأفضل أن ينفق هذا المال في سبيل الله، والله الذي لا إله إلا هو إن متوفاكم ليعذب بقبره بهذه البدع التي انتشرت كالنار في الهشيم، ولن يُغني المقرئ المشهور، ولا صاحب النفس الطويل، ولا المُقرئ المطرب عن متوفاكم، لن يقربه من الله مثقال ذرة، ولن يدرأ عنه من عذاب الله شيئاً، متوفاكم انقطع عمله عن الدنيا إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، ولو كان المقرئ "المشهور" له شفاعة لنفع بها نفسه أولاً قبل متوفاكم.
يا أيها الناس.. احذروا من الاستهزاء بالقرآن الكريم، واحذروا من البدعة والضلال، كما مات "متوفاكم" ستموتون وتُقبرون، ولسوف يسألكم الله عن أموالكم فيما أسرفتموها أو أنفقتموها، واعلموا أنكم ستُسألون يومئذٍ عن النعيم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.