(وأخيراً وبعدما وجدت هدفي، وبذلت أقصى ما عندى لتحقيقه، وأتى وقت الحصاد وجدت أنني ازددت عبئاً على أعبائي، وزاد الهمّ هماً، وأصبح ما حققته حملاً على صدري لا يُحتمل، وحينما أقرر التخلص من كل تلك الضغوط وأعود للشخص القديم لا أقوى على هذا القرار).
"يا سيدتي أنا شخص ناجح جداً بمقاييس مجتمعي ولكني حزين جداً، أنا لم أعُد أشعر بطعم أي نجاحات، الحياة برمّتها معناها بالنسبة لي ضغط.
أقسم لك أنني وأنا في أوقات الفرح بسبب إنجاز قمت به، أجد بداخلي أصوات (هل ستبقى تلك السعادة التي تشعر بها؟) (أليس غريباً أن كل شيء يسري على ما يرام؟)، فأجد الفرحة تحولت إلى همّ مرسوم على ملامحي بسبب خوفي من ضياع ما حققت".
(تعلمين.. طوال الوقت أسأل نفسي ما هو الابتلاء القادم، أصبحت طوال الوقت منتظراً الأسوأ).
3 حوارات حقيقية تحدث للأغلبية مننا، بل إن البعض تمكنت منه لدرجة سرقت منه النوم من كثرة التفكير فيها، سرقت منه أي شعور بالراحة.
حوارات جعلتنا طوال الوقت مهمومين ونعاني من الضغوط، وأصبح أقصى ما يحلم به البعض أن يعيش مرتاح البال.
ولماذا كل هذا؟
من أجل غدٍ لم يأتِ بعد، من أجل غدٍ أفقدنا مذاق ما نحن فيه من نِعم كثيرة، فلا استمتعنا باليوم، وعندما حققنا ما كنا نظن أنه سيخرج بنا من عنق الزجاجة، وجدنا أنفسنا علِقنا، ولم يعُد لدينا قدرة العودة لليوم الضائع، ولا الاستمتاع بما حققناه في المستقبل الذى كان مُنتظراً.
من أجل خوف على المستقبل، خوف أفقدنا الثقة في أن أرزاقنا من الله، واعتمدنا على أنفسنا فقط، فسكن فينا الحقد والغل، وأصبح الجميع يلهث وراء الدنيا، ويتسابق ظناً منه أنه سيلحق فرصة الآخر، وحتى وإن حصل وأخذ الفرصة التى لهث وراءها، ما زال القلق ينهش في نفسه وروحه.
أتعلمون لماذا كل هذه المعاناة؟
لأننا خالفنا فطرة الله التي فطر الناس عليها، خالفنا فطرة التوكل على الله وتسليم كل أمورنا له.
وكل هذا بسبب برمجة سلبية تمكنت منا تدعى (سوء الظن).
وبعد كل تلك المعاناة والصراعات النفسية التي نراها يومياً، ما رأيك أن نقرر أن نثور على ذلك التفكير المدمر.
وأظن أنه لم يعد أمامنا غير ذلك القرار، خاصة عندما نعلم أن تمادينا في ذلك الفكر لن يتوقف على سوء الظن في الغد فقط، بل سيصبح سوء الظن في كل شيء في الحياة، إلى أن نصل إلى كره النفس.
ومفتاح تنفيذ هذا القرار هو حسن الظن في الله، وهو أيضاً طاعة وواجبة لقول الرسول: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله).
وأنا أرى أن في وجوبية الطاعة هذه هي مصلحة كبرى للإنسان؛ لأن حسن الظن في الله هو الأساس لراحة البال، والقلب، ونقاء النفس، وسمو الروح، والسر وراء بسمة الرضا التي تراها على وجوه أناس تتعجب كيف وصلوا لتلك المرحلة من الرضا برغم كل تلك المآسي التي مرّوا بها.
ولكن هناك سؤال:
من كان طول الوقت يتغنى بالتخطيط للغد ونسيان الأمس أليس أنتِ؟ أليس من الطبيعي أنه عندما يتحقق ما خططت له أشعر بالخوف من خسارته؟
هل لا تجدين مبرراً للخوف عندما تقرأين المقولة القديمة: (الأصعب من النجاح هو الاستمرار عليه)؟
كلامك صحيح جداً، ولكن النجاح يا صديقي خُلق من أجل أن نسعد، من أجل أن يقوينا لا أن يضعفنا، من أجل أن تتوطد علاقتنا بالله ونعلم أن الفضل كله من الله وليس من كفاءتنا، وعندما نتذكر الماضي الحزين المليء بالإخفاقات، تتذكره بمنتهى الرضا والحمد.
هناك يا صديقي شعرة رقيقة فاصلة ما بين أن تعطي الأمان المطلق للدنيا، وتطبق ما أخبر به النبي (اخشوشنوا)، وبين سوء الظن المسؤول عن خلق الخوف والقلق، وليس له طريق غير الأمراض النفسية.
فطريقة التفكير السلبية التي تسمى سوء الظن في المستقبل، ستجعل منك إنساناً متمسكاً بالدنيا، يبخل على غيرة بمد يد العون، سواء بشيء مادي أو معنوي، وبالتدريج تحولك إلى شخص أناني من الدرجة الأولى، مريض بحب نفسك حتى ولو على حساب أقرب الناس إليك، إلى أن تبقى في آخر المطاف وحيداً، وبالتالي ستكره تلك النفس التي أوصلتك إلى هذا الطريق، طريق مليء بدوامات الكره والحزن والأحقاد.
إذن السؤال: ماذا نفعل لتجنّب هذا الطريق؟
لا تحتاج يا صديقي إلا إلى كثير من الإلحاح على عقلك اللاوعي بأن الأمر كله بيد الله، وكفى به وكيلاً، وتُحسن به الظن مهما بلغت الصعوبات، فنفسك لم ولن تملك غير السعي والدعاء.
ومع الأيام سيكون جواب عقلك على نفسك عندما تشكك في المستقبل هو أن تطمئن، وبالتدريج ستتحول المعاناة والصراعات الكامنة داخل نفسك إلى أمواج هادئة تدفع بك إلى بر الأمان، وما الأمان إلا مع حسن الظن.
أرى تلك التنهيدة القوية المحملة بالهموم والضغوط بسبب ما عانيته، ولكني أرى بسمة الأمل التي بُعثت بداخلك وأنت على شفا قرار تسليم أمورك جميعها لله، وخلق قناعة جديدة أن اليسر مع العسر لا محالة.
فاستودع يا صديقي نجاحاتك عند الله، ومن الأمس تعلّم الدروس التي تحصنك من الخطأ، واستخِر قبل كل خطوة مدروسة تُقبل عليها.
وبالتدريج ستجد نفسك آمنت أن (ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطئك لم يكن ليصيبك)، وهذا هو المعنى الحقيقي للتوكل على الله.
واحذر أن تكون من الذين قال عنهم الحسن البصري: (قرأت في تسعين موضعاً من القرآن أن الله قدّر الأرزاق وضمنها لخلقه، وقرأت في موضع واحد: الشيطان يعدكم الفقر.. فشككنا في قول الصادق في تسعين موضعاً وصدّقنا قول الكاذب في موضع واحد).
وأخيراً من اليوم أبلغ عقلك اللاواعي بقرار ثورتك على سوء الظن الذي أوهنَ روحك، ثورة بدايتها جملة: كفى، سئمت من العيش سجيناً داخل قفص الخوف على الغد، فنفسي أصبحت كأرض قاحلة تتمنى أن ترتوي بأي شيء حتى ولو كان وهماً.
سيقاومك في البداية، ولكن بإصرارك سيستجيب لثورتك لا محالة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.