نعم، كن مبدعاً مثل أجدادك، كن مبدعاً مثل سلمان الفارسي، عندما أبدع في فكرة حفر الخندق، ولم تكن هذه الفكرة مألوفة عند العرب.
كن مبدعاً مثل خالد بن الوليد عندما واجه الروم وعددهم مائتا ألف بعدد أقل كثيراً من هذا العدد، فأبدع في فكرة إحداث أصوات مرتفعة من أبواق وإثارة الغبار بالخيل وتبديل مواقع الجيش، فالميمنة اتجهت إلى الميسرة، والميسرة إلى الميمنة، فسبَّب ذلك إرباكاً في صفوف الروم وظنوا أن دعماً كبيراً جاء للمسلمين، فتراجع الروم، وانسحب خالد وهو في وضع لا يزعجه، بل يزعج الروم.
كن مبدعاً مثل مجهول القادسية، صاحب فكرة عمل أفيال من الطين، فتألفها الخيل حتى لا تفر من الفيلة عند مواجهة الفرس، فحيّد بذلك أكبر نقطة قوة في جيش الفرس كان يعتمد عليها، وهي استخدام الفيلة.
كن مبدعاً مثل محمد الفاتح الذي أبدع في فكرة نقل السفن عن طريق البر، حين أغلق النصارى المضيق البحري بسلاسل عظيمة من الحديد، فتجاوز ذلك عن طريق البر، وكان ذلك إحدى أفكار عظيمة تسببت في فتح عظيم للقسطنطينية التي هي إسطنبول الآن.
كن مبدعاً مثل البخاري عندما أحزنه اختلاط الأحاديث الصحيحة بالضعيفة، فأبدع في فكرة عمل مجلد يفصل فيه الحديث الضعيف عن الصحيح، فكان مجلد صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله.
هذه نماذج من إبداعات أجدادك، وغيرها كثير كثير.
نعم، أُمتنا تريد رجالاً ونساء وشباباً يبدعون؛ حتى تخرج الأمة من الحالة الصعبة التي تعيشها.
إن أكبر تحدٍّ يواجه أمتنا للخروج من هذا المأزق الراهن هو الجهل، وهو أشد أعداء الإبداع.
فهل نبدع لكي نتخلص من هذا الجهل؟
وكلما زاد الجهل لدى الأمة، زادت قدرة أي مستبد على اللعب بعقول البسطاء، فأول العلاج الوعي.
نريد إبداعاً يفضي إلى إعلام حر واعٍ يكون أحد عوامل مقاومة الجهل وزيادة الوعي.
نريد إبداعاً يفضي إلى تقديم نموذج ناجح مقبول للمسلم حاكماً أو محكوماً، فقد أصبح أعداء الأمة يخيرون الناس بين القبول بالاستبداد أو الرضوخ لدواعش الأفكار، والإسلام من كليهما بريء.
نريد إبداعاً يخرج للأمة السياسي البارع، الذي يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع، وكيف يميز بين الضررين إذا فرضا عليه فيقبل بأقلهما (قاعدة أخف الضررين)، لا يتعجل فيسبب هلاكاً بلا طائل، ولا يتأخر فتفوته الفرصة، ويدرك أن ما لا يستطيع فعله اليوم سيكون غداً أو بعد غد متاحاً وفق معطيات جديدة، فيكون مرناً في التعامل وفق الواقع ومعطياته، يركز على الحفاظ على السفينة ومن فيها إذا كانت الأمواج عاتية، ويسرع بالسفينة نحو هدفه إذا سكنت الأمواج.
باختصار نريد مبدعاً سياسياً مثل معاوية، قال عمرو بن العاص لمعاوية: والله ما أدري يا أمير المؤمنين أشجاع أنت أم جبان؟ فقال معاوية: شجاع إذا ما أمكنتني فرصة، وإن لم تكن لي فرصة فجبان.
أقصر طريق إلى الوعي والإبداع هو طريق العلم والقراءة.
وإن أمة أول أمر من الله لها هي اقرأ، إذا نفذت أوامر الله لها لن تعجز أن تخرج من بين أبنائها من يبدع، فيخرجها مما هي فيه من الهوان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.