لا أدري حقاً لمَ قررت الكتابة اليوم على الرغم من فقداني القدرة على الكلام، فيبدو أن داخلي يصرخ، مما دفع القلم للكتابة غصباً، أو أنني أجد في الكتابة ما يسمى بـ"اللاندم".
فلن يخونني القلم يوماً ويذهب لغيري يحكي عن أسراري أو يتعاطف معي، فيشعر بالأسى على ما وصلت إليه حالتي، ولن يستغل نقاط ضعفي لإذلالي، ولن يحبني القلم لحسن كلامي، ويتركني بعد فترة ليست ببعيدة، فهو محايد تماماً يسمعني فقط دون أن يتسبب في جرحي هو الآخر، فضلاً عن كونه لا يمل قط من سماعي تكراراً، فلم يحدث أن تركني واختفي مللاً من كثرة شكواي وبكائي الدائم، فليس القلم كالبشر.
والحمد لله أن هناك أشياء أخرى في الحياة غير البشر.
فالبشر يتسببون لنا بالألم بالقدر ذاته الذي يتسببون لنا بالفرح، فعلى قدر الضحك تكون الدموع، بل وتزيد، ولا أدري أهو اعتزالي للبشر الحل الأمثل لما سببوا لي من الوجع، أم أن الانعزال هو عقابي لنفسي على اختياراتي الخاطئة دائماً؟ فحظي من حسن اختيار البشر أقل من أن يعد على أصابع اليد الواحدة.
فبسجية طفلة أتعامل مع من حولي دون الأخذ في الاعتبار ما تحمله النفس البشرية من طباع سيئة من حقد وغل وحسد وكره للخير، فبروح طفلة يسرقني لساني فأحكي عن أشياء جديدة تحدث لي من شدة فرحي بها، وليست في نيتي سوى أن يفرح من حولي كما فرحت أنا.
لم أكن أعلم قط أن هناك مَن يظن أنني أفعل ذلك من أجل أن يصيبهم الغيظ من نجاحي، أو تفاخراً بما أفعل، فلم أقل ذلك من أجل أي شيء آخر سوى أنني فَرحة، فأشارك من حولي بما أشعر به وفقط.
أما في الجانب العاطفي أو ما يسمونه بالحب، فكل ما تمنيته حب صادق أفلاطوني كالروايات التي أقرأها عادة، ولم أكن قد أدركت بعد أن هنالك ما يسمى بالكذب، ولطالما توقفت كثيراً أمام فلسفة الكذب متعجبةً من كيفية أن يكذب إنسان في المشاعر التي يكنّها إلى غيره.
يمثل "س" لحبيبته "ص" الحب والعشق والهيام، وهو لا يشعر بكلمة مما يقولها، وأيام قليلة وسينتهي ما يحمله "س" من انجذاب لـ "ص"، فهي ليست إلا نزوة لتشعره بأنه شخص مهم فهناك شخص آخر يرى وجوده حياةً ويهتم به.
وكلما كانت فريسته صعبة المنال كلما طالت فترة الانجذاب حتى يشعر "س" بالاكتفاء، فقد سئم من أكل التفاح كل يوم، وهو يبحث الآن عن فاكهة أخرى؛ لتعيد له نشوة الانجذاب على حساب مئات من القلوب المنكسرة.
دعني أتحدث لك عن نوع آخر من البشر أولئك الذين تركونا في الطريق حيث أظلمنا، وأطُفي لمعنا، إلى مَن تخلّوا عنا يوم كنا في أشد الحاجة لبقائهم، فلا أدري إذا كانت المشكلة في حظي من حسن الاختيار، الذي من الواضح أنني لم أحظَ يوماً بحظ حلو، فالجميع يرحل.
مشكلة أمثالي من أصحاب الطاقات والنشاط الزائد والابتسام طوال الوقت أن من يقترب منا كثيراً يرى ما نحمله من ظلمات بشكل أوضح، فيشعر وكأنه قد خُدع، ولكننا لسنا سوى بشر نشعر باليأس أحياناً، ونكتئب كثيراً، ونبكي ونصرخ ونفكر في الموت مراراً.
ولكن الموت لم يأتِ قط لأولئك الذين انتظروه دوماً، فالموت كالبشر لن يهتم كثيراً بمن هو مقبل عليه، بل ويجد نشوة لا مثيل لها بينما يختطف الحياة من المقبلين عليها والمتمسكين بها.
فالبشر والكذب والموت والزيف والخديعة كلها وجه لعملة واحدة ألا وهي الوجع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.