ظهر بشكل لافت خلال السنوات الثلاث الماضية جيل جديد من المؤثرين "الإنفلونسرز" في مواقع التواصل الاجتماعي، والذين يتمتعون بثقة ومصداقية كبيرة بين متابعيهم المقدر عددهم بالآلاف، وهنا وجد أصحاب المال والأعمال أنه يمكن الاعتماد على المؤثرين في الترويج لمنتجاتهم ومشاريعهم، وعليه تحولت السوشيال ميديا من منصة للعلاقات الاجتماعية إلى منصة تسويقية وتجارة مربحة لكلا الطرفين.
وقوة التأثير التي يتمتع بها أي أنفلونسر على منصات التواصل الاجتماعي ونجاحه الحقيقي يأتيان بشكل أساسي من نشر محتوى هادفاً في مجال معين يختص به ويحيط بكل جوانبه، ومعرفة ما يحتاج إليه الجمهور، وألّا يشكل الجزء الترويجي لمنتج أو شركة نسبة 20% من المحتوى الذي ينشره، فضلاً عن التركيز على جودة المحتوي والتأكد من وصول الجمهور إليه والوثوق به وتقييمه.
ورغم أهمية هذه المعايير، فإن الأزرار السحرية "LIKE" "FOLLOW" فتحت الباب أمام شخصيات لا تمتلك عناصر النجاح أو ما يستحق المتابعة للحصول على تقييم "إنفلونسرز" بناءً على عدد المشاهدات والإعجابات التي ينالها حسابهم ومنشوراتهم، وبعضهم يستغل سيطرته على الرأي العام ليعيشوا في عالم الرفاهية مقابل الترويج لمطعم أو سيارة أو فندق…
ومنذ أيام، ضجت وسائل الإعلام والسوشيال ميديا بقصة المدونة البريطانية الشهيرة داربي، البالغة من العمر 22 عاماً، (87 ألف مشترك في يوتيوب و76 ألف متابع في إنستغرام) والتي راسلت مدير فندق دبلن في إيرلندا وعرضت عليه إقامتها بالفندق 5 أيام مجاناً مقابل الترويج له عبر قناتها على اليوتيوب المختصة بمجال الترفيه والتجميل والسفر والسياحة، فجاء رد مدير الفندق قاسياً: "هل أُخبر العمال الذين يتولون ترتيب غرفتك ويُحضرون لك الطعام ويتولون خدمتك في الفندق، بأنهم لن يتقاضوا راتباً عن خدمتك، وفي المقابل سيظهرون بقناتك على يوتيوب؟!".
وهو ما اعتبرته داربي إهانةً لها، وعبَّرت عن انزعاجها في فيديو مدته 17 دقيقة، تتحدث فيه عن الحرج والذل الذي تعرضت له، فما كان من مدير الفندق إلا أن حظر دخول المدونين والشخصيات المؤثرة على السوشيال ميديا للفندق، معتبراً أنهم "بلطجية"..
ومن خلال ذكر تعاونها مع "أورلاندو ديزني لاند"، وضعت داربي نفسها في موقع انتقاد من قِبل رواد مواقع التواصل، وخاصة من الناس الذين ينظرون إلى المؤثِّرين بشكل سلبي؛ لكونهم يعيشون حياة الرفاهية مجاناً، ومن جهة أخرى رأى البعض أنه في كثير من الأحيان عمَل المؤثِّرين لا يتناسب مع العلامة التجارية التي يرغبون في التعامل معها، ولكن ليست هناك حاجة للتقليل من شخص ما أو مهاجمته شخصياً.
والأهم.. أن هذه القصة أثارت الجدل حول جدوى التسويق عن طريق المؤثِّرين، ومدى تحكُّمهم في الرأي العام، وضرورة اتخاذ آليات للتعامل مع الدعايات المضلِّلة التي برزت مؤخراً بين مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يجب ألا ننكر أن بعض العلامات التجارية تسعى جاهدةً للتعامل مع المؤثرين.
وكشف مزود التحليلات Annalect، الذي يقدم تحليلات لأكثر من 800 علامة على "تويتر"، والتي تتعامل بدورها مع المؤثِّرين أن نحو 40% من المستخدمين على "تويتر" يتابعون علامات تجارية، و49% منهم تأثر برأي الإنفلونسرز في المنتج.
كما خلص الاستطلاع إلى أن التسويق عبر العلامة التجارية على الإنترنت رفع نية الشراء لدى المستخدمين بنسبة 2.7%، لكن مع استخدام المؤثرين في الحملات الإعلانية النسبة ترتفع إلى 5.2%، وبيَّنت النتائج أن 43% من العلامات التجارية أنفقت ما بين 1000 و10 آلاف دولار لكل حملة تعاونوا فيها مع أحد المؤثرين، واعتبر 63% منهم أن الأجور التي طلبها الإنفلونسرز كانت معقولة.
أيضاً، أظهر استطلاع شركة "بي بي جي كون آند وولف-BPG Cohn & Wolfe"، بالتعاون مع شركة يوغوف للأبحاث التسويقية، أن 94% من خبراء التسويق بالمؤسسات في الإمارات يؤمنون بأن التعاون مع المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي يعد عاملاً مساهماً في نجاح علاماتهم التجارية.
ويتوقع معظم المؤثِّرين تعويضهم على أساس المشاركات والصور وأشرطة الفيديو، بدلاً من نجاح الحملة من خلال نتائج قابلة للقياس، وضمن ذلك المبيعات وزيارات الموقع.
وأمام هذه الوقائع، يجب فصل الصالح عن الطالح في عالم المؤثِّرين، وإتاحة المجال أمام الإنفلونسرز الذين يلعبون دوراً مهماً وإيجابياً في نشر المعرفة والثقافة، والحدّ من سيطرة بعض الشخصيات التي لا تمتلك مقومات التأثير في التحكم بالرأي العام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.