يواجهنا في الحياة الكثير من الهواجس والمخاوف كلما تقدمنا في مخاضها العسير، الكثير من التساؤلات تصيب ذهننا الذي يتعب كثيراً ويصاب بالإرهاق في الإجابة عنها أو إيجاد حلول لها؛ لأنك لا تدرك ما الذي سيحمله المستقبل له، ولأنك أيضاً في مرحلة مهمة وحاسمة في حياتك ومصيرك وهي مرحلة الشباب.
كلما تقدمنا مرحلةً أو خطوةً ما، تزداد الضغوط من هنا وهناك، من المقربين والعائلة الصغيرة والكبيرة، فذلك يدعي بأنه الأدرى بمصلحتك ويبدأ في إثقال كاهلك وعقلك بالكلام الفارغ، ويبدأ بالمقارنة بينك وبين أناس آخرين: فلان يشتغل في شركة كبيرة، فلان اشترى سيارة فخمة، فلان يملك فيلا وغيره من الكلام الذي يحبط عزيمة الفرد وينكد عليه يومه، بينما حينما تلتقي من تعتبرهم أصدقاء، فلا يكون حديثهم وهمهم إلا عن الزواج والارتباط؛ حيث يبدأون في التفاخر بأنفسهم وكأنهم ملاك لا يخطئ ومعصوم من الخطأ، فيبدأون باستغاضتك وإهانتك، وخصوصاً إذا لم تقرر الارتباط بعد واصفين إياك بالجبان، والشخص الذي لا يملك شخصية قوية وليس له الشجاعة في اتخاذ القرارات المهمة كقرار الارتباط مثلاً؛ لأنه قرار مهم وحاسم في حياتك كلها.
كانت السنة الفارطة مميزة، رغم أنها لم تكن مستقرة وظيفياً، وهو ما شكَّل لي اختلالاً في التوازن على مبدأ الأهداف التي سطرتها في تلك السنة، وهي الاستقرار وظيفياً، والتركيز على تطوير مهاراتي في تلك الوظيفة.
أتيحت لي الفرصة للعمل مع جمعية العون المباشر الكويتية لمدة 6 أشهر لم تستمر؛ لأن المشروع الذي قدمت لتنفيذه غير واضح الرؤية والمعالم، وأيضاً لعدم إعجابي بالأجواء السائدة والانتقادات التي كانت تطالني وقتها، والتي تعدت النقد البنّاء إلى نقدي الشخصي، وهو ما جعلني أعيش توتراً في تلك البيئة، وكذلك عدم وضوح المشروع الذي سأقوم به والذي يحتاج لفترة زمنية معتبرة حتى يرى النور، وبالتالي قررت وقتها تغيير الأجواء بعد عرض وصلني من الإمارات من مؤسسة تُعنى بالتراث، لكن وقتها رفضت التأشيرة لمرتين، ولم أتمكن وقتها من السفر للإمارات لمباشرة عملي الجديد، وبالتالي عدت أدراجي إلى الجزائر، أعتقد أنني كنت في موقف لا أُحسد عليه وكأنني عدتُ إلى نقطة الصفر.
بعد عدم تمكني من الحصول على تأشيرة الإمارات وقتها، اقترحت عليَّ المؤسسة أن أواصل العمل من الجزائر وهو ما فعلته، صحيح أن التنسيق من الجزائر كان صعباً بحكم الفارق الزمني الذي يفصل بين الجزائر والإمارات وهو ثلاث ساعات.
ورغم أنه كان هذا عائقاً، فإنني حاولت بأقصى ما لديَّ أن أقدم أفضل خدمة للمؤسسة حتى ولو كنت بعيداً عنها جغرافياً وزمنياً، وبالنسبة لي كانت خبرة وتجربة جيدة استفدت منها وعززت بها رصيدي في السيرة الذاتية.
عودتي للجزائر جعلتني أحاول الانطلاق من الجديد، فقد عدت للعمل التطوعي مع المجتمع المدني، وأيضاً نظمت العديد من الورشات التدريبية في كتابة السيرة الذاتية، وأيضاً سافرت في مختلف أنحاء الجزائر لأكتشف بلدي، والتقيت العديد من الأصدقاء في معرض الجزائر الدولي للكتاب جمعني بهم العالم الأزرق الافتراضي، وهو ما خفَّف عني وطأة التحسر الذي انتابني لتجربتين لم تعرفا طعم الاستقرار.
كان هدفي سنة 2017 هو استرجاع كامل قدراتي الصحية والنفسية بعد مروري بأزمة مرضية حادة، والحمد لله تحقق هذا الهدف، وهو ما جعلني بعدها أخطط للأهداف التي أود تحقيقها في سنة 2018، التي يتملكني فيها يقين بأنها ستكون سنة جميلة وحافلة بالإنجازات والعطاء والتميز.
إن خوض التجارب والتحديات المختلفة يجعل الإنسان مختلفاً ومتميزاً عن غيره الذين لم يكلفوا أنفسهم المحاولة وتحدي أنفسهم لإثبات ذاتهم وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، هناك الكثير مَن يضيع الفرص ولا يستثمر فيها، ينتظر المعجزات أن تتحقق، ويترقب النجاح أن يصله إلى بيته على طبق من ذهب دون بذل أو اجتهاد، وهذا من سابع المستحيلات، فكل العظماء عبر التاريخ اجتهدوا كثيراً ولم يصلوا إلى مصاف القمم إلا بعد كد وعزم وتخطيط وعمل دؤوب، بعد أن كابدوا حرباً ضروساً من مجتمعاتهم ومقربيهم ممن كانوا يعتقدون أنهم مجانين ويعيشون في الوهم والخرافات.
أيها الأعزاء، لا تيأسوا ولا ترفعوا القبعة البيضاء لمن ينتقدكم ويهينكم ويسيء إليكم، فلكل ناجح أعداء، يرونه صغيراً وفاشلاً ولا يساوي شيئاً؛ لأنهم يعانون نقصاً روحياً ونفسياً وشخصياً، فهؤلاء يمثلون شخصيات مهتزة يعانون نقصاً من كل شيء يصنع الأمل ويعزز الثقة والتحفيز لدى البشر.
لا تنسوا أعزائي أنكم أصحاب رسالة في حياة، وأنتم مطالَبون بأن تقدموا أفضل ما لديكم لتغيير عالمكم، صحيح أن الفشل سيكون في بعض المراحل، ولكن الفشل والمحاولة هما بداية الطريق لنتغير إلى الأفضل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.