حياتك بين السيرة الذاتية والنعي

"حادث سيارة، تشخيص طبي، مكالمة غير متوقعة، حب جديد، انكسار قلب، أي من هذه الأحداث قادر على تحويلنا إلى أشخاص مختلفين تماماً؟ نحن من الهشاشة بحيث يمكن لحدث بغمضة عين أن يغير من نحن إلى الأبد".

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/25 الساعة 05:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/25 الساعة 05:18 بتوقيت غرينتش

"حادث سيارة، تشخيص طبي، مكالمة غير متوقعة، حب جديد، انكسار قلب، أي من هذه الأحداث قادر على تحويلنا إلى أشخاص مختلفين تماماً؟ نحن من الهشاشة بحيث يمكن لحدث بغمضة عين أن يغير من نحن إلى الأبد".

ماذا لو أن هذا الشهر هو آخر شهر في حياتك؟ ماذا لو أن هذا العام هو عامك الأخير على وجه الأرض؟ ما الذي ستغيره؟ ما هي القرارات التي ستتخذها، وبأي اتجاه ستوجه دفة حياتك؟ وهل ستبقى أولوياتك على حالها؟

بماذا سيتذكرك الباقون بعدك، أي أثر أو إرث ستترك لهم؟ ولو كان لأحدهم أن يرثيك أو يكتب نعيك، ماذا سيقول؟ أنت بالتأكيد لن تستمع لسيرتك بعد رحيلك، ولا لرثائك لكنك الآن تعده وتسهم بطريقة ما في كتابته.

نحن نعيش حياتنا وتركيزنا منصبّ على بناء السيرة الذاتية، وتحصيل المهارات التي تؤهلنا لدخول سوق العمل.

السيرة الذاتية أصبحت مقياس الحياة والنجاح والهدف، بينما النعي يركز على الجانب الآخر، على دورك في الحياة، على حقيقة وجودك، والصفات التي اتسمت بها والأثر الذي تركته في حياة الآخرين، وكيف تغيرت الحياة والأشخاص من حولك لأنك مررت بهم.

ديفيد بروكز David Brooks في حديثه على منصة تيد أشار إلى أن طبيعتنا الإنسانية كأفراد لها جانبان؛ الأول وسمّاه آدم 1 شخصية طموحة تهتم بالعالم الخارجي، تتساءل كيف تعمل الأشياء، تركز على الإنجاز والابتكار ودخول السوق وإنشاء شركات وتحقيق مكاسب مادية. آدم 1 شعاره في الحياة "النجاح".

الجانب الثاني وسمّاه آدم 2 شخصية متواضعة تركز على علاقتها بالعالم والناس والرب، تريد أن تصل للسلام الداخلي، أن تعيش حياة طيبة وتقوم بعمل الخير، في محاولة لتحقيق هدف وجودها في هذه الحياة، آدم 2 شعاره في الحياة الحب والتطهر من الخطايا.

ويرى ديفيد أن هذين الجانبين في صراع دائم؛ لأن كلاً منهما له منطقه المختلف في تحقيق رغباته والتعامل مع معطيات الحياة. فآدم 1 منطقه اقتصادي، مدخلات تقود إلى مخرجات، والمخاطر تقود إلى مكاسب، بينما آدم 2 فمنطقه معاكس؛ حيث ينبغي أن تُعطي لتأخذ، وأن تُسلم بضعفك للإله لتجد قوتك، وأن تتحكم بشهواتك لتحصل على ما تريد، وأن تتخلى عن أنانيتك لتحقق ذاتك.

نحن حالياً نعيش حياة تركز على الإنجازات المادية المحسوسة، تفضل آدم 1 وتهمل آدم 2.

حياتنا تهتم بالسرعة والسهولة، تطغى فيها العلاقات الافتراضية، تركز بشدة على المظاهر، على إرضاء الآخرين، على صناعة الوهم وتصديقه من خلال التسابق المحموم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وهكذا وعندما يصل العمر آخره نكتشف متأخرين أننا فقدنا الكثير، وأهملنا الحياة والأشخاص والمشاعر التي كنا نريد ونتوق لعيشها.

وقد قامت بوني وير Bonnie Ware بتسجيل هذه الأفكار وتدوين أكثر خمسة أشياء يندم عليها الأشخاص في أيامهم الأخيرة، وقد استطاعت تسجيل هذه الاعترافات من خلال عملها لفترة طويلة كممرضة في الرعاية التلطيفية palliative care وهي تُعنى بأشخاص في أيامهم الأخيرة نتيجة أمراض مزمنة لا يُرجى برؤها.

وتركزت أهم هذه الأشياء التي يندم عليها الناس في خمسة محاور:

1- أتمنى لو أنني عشت الحياة وفقاً لما يناسبني لا ما يريده الآخرون أو يتوقعونه مني، لو أنني قمت باختيارات مختلفة لتحقيق أحلامي.

2- أتمنى لو أنني لم أقضِ كل هذا الوقت في العمل، وهذا الندم كان جلياً من طرف الرجال أكثر من النساء، وكم فوت العمل عليهم لحظات مهمة في حياة أطفالهم وشركائهم.

3- أتمنى لو أنني كنت أكثر شجاعة في التعبير عن مشاعري وإظهارها، والتخلص من المشاعر السلبية التي كانت تثقل قلبي.

4- أتمنى لو أنني حافظت على علاقاتي بأصدقائي القدامى.

5- أتمنى لو أنني منحت نفسي فرصة أن تكون سعيدة، وأن تستمع بالحياة وتجرب أشياء جديدة بدلاً من الروتين الذي كانت تعيشه.

أغلب هؤلاء المرضى الذين سجّلوا ندمهم لا يملكون الفرصة الآن للعودة وتصحيح مساراتهم، ولعل مشكلة الحياة أنها فرصة وحيدة، تجربة لا يمكن تكرارها، ولذلك من المهم أن تعيش بالطريقة التي تكفل لك السلام الداخلي، وتشعرك بالرضا، وتحقق الهدف الأسمى من وجودك على هذه الأرض.

أغمض عينيك قليلاً، تخيَّل أنك ستموت بعد عام، ما الذي يهم حقاً؟ تخيل نفسك بعد خمسة أعوام، كيف سيؤثر ما تفعله الآن أو ما تتجاهله على حياتك حينها؟

حاول أن تكتب نعيَك، أن تتخيل سيرتك بعد رحيلك، أي أثر تود أن تترك، ما زلت تستطيع أن تصنع هذا الأثر، أن تلاحق ذلك الحلم، وتعيش الحياة التي تسعدك وتسعد من حولك، ما زلتَ تملك الفرصة، انتهزها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد