من حين إلى آخر كان يسألها عما يبدو لها سيئاً فيه من سلوكيات، ويَحثها على الإجابة، وفي كل مرة يكون جوابها كالمرة التي قبلها بأن لا شيء فيه سيئ، وأنها ستُخبره حينما ترى منه ما لا يُعجبها.
مرّت الأيام وحدث بينها سوء تفاهم حول أمر ما، كبر سوء تفاهمهما وأصبح يُهدد استمرار علاقتهما.
اختار أن يُناقشها فيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الوسائل التي تنقل الكلمات دون إحساس؛ لتُظهر الحُلو منها عادياً والعاديَّ منها قاسياً وبشعاً.
أثناء نقاشهما، ذكرت له العديد من الأشياء السيئة التي يقوم بها معها باستمرار لكنها تتغاضى عنها أو تغفرها دون حساب.
وقف مذهولاً لسردها سيلاً من المساوئ التي جُمعت فيه لحظتها، وعادت به الذاكرة إلى أسئلته المتكررة لها وإلى أجوبتها عنها في كل مرة.
تألم مع كل كلمة تنطقها، لكنه اختار ألا يُذكرها بحواراتهما السابقة وما كانت تقول، ترك لها الباب مفتوحاً لتنهال عليه بوابل من الكلمات القاتلة التي لم يكن لها بُد من أن تقال، تركها لتخرج ما بجعبتها دون أدنى مسٍّ منه بحريتها في الكلام، وإن كان يعلم أن حريتها انتهت بمجرد مساسها بشخصه.
أتساءل أنا صديقه دون أن أحدثه بما يدور في خلدي؛ لأنني أعلم أنه لن يسمع منّي وربما لا يليق أن أعاتبه وهو في حالته تلك، أتساءل ما إذا كان مخطئاً حينما كان يطلب منها أن تخبره بما تراه فيه سيئاً! وهل من اللباقة أن نطلب من أحد تشخيص عيوبنا مهما بلغت قيمته ومنزلته في قلوبنا! أجيب نفسي بأن الدافع كان أقوى منه، إنه الحُبّ الذي قيل فيه "بداية الحب نهاية العقل". ثم أغير السؤال: هل ما قالته عنه لحظتها فعلاً متمثل فيه أم أن كل ما قالت لا يعدو أن يكون مجرد ردة فعل ناتجة عن غضبها منه؟! ثم ومن الأساس ما الذي يحدد سلبيات الشخص ومساوئه؟! ما هي العوامل التي تؤثر في ذلك؟!
انطلقت من السؤال الأخير محاولاً إيجاد تفسيرٍ لكل ما وقع معه؛ لأنه بمجرد أن ينتهي من الكلام سيطلب رأيي فيما وقع.
عاملان اثنان هما الأكثر تأثيراً على الإنسان لتزداد سلبياته وسلوكياته السيئة:
العامل الأول هو الطفولة التي عاشها، أو بالأحرى التي لم يعِشها أو ربما عاشها لكنها كانت ناقصة، دون دفء وحنان، دون لعب مع أقرانه، ودون أن يُمضي وقتاً كافياً بصفته طفلاً، أو أنه عاش الطفولة بإسهاب، بحيث توفر له الأشياء قبل حتى أن يطلبها، أو حناناً زائداً عن اللزوم من أحد أبويه أو كليهما.
العامل الثاني هو اصطدام الإنسان حينما يعقِل ويصير مسؤولاً بواقع صلب تكثر فيه المطبات والعقبات، تُثقل كاهله المسؤوليات والضغوط النفسية ما يدخله في دوامة تحليل ما يجري حوله دون أن يستفيد من ناتج الأفكار شيئاً، التحليل لأجل التحليل فقط ما يزيد من إضعاف النفس.
مساوئ الإنسان هي نتيجة إما لقصور أو تقصير، الأولى لا دخل له فيها؛ لأنها متعلقة بالطبيعة التي خُلقنا عليها، أما ما كان نتيجة للتقصير فلا يُتسامح فيه مع النفس البتة.
عليك أن تبحث عن العيوب في أفكارك وأن تُنقب عنها في أفعالك لتعرفها جيداً ثم تزيلها، هذا ما ينبغي لكل إنسان أن يفعل، هذا هو المسار السليم.
أما المسار الآخر أن تترك عيوبك إلى أن يأتي مَن سيبحث معك عنها فقد تضطر للانتظار طويلاً بلا جدوى، وتعرض نفسك للاستصغار والاحتقار.
وهذا بالذات ما حدث مع صديقي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.