في كتاب الإنسانية الخالد لا يزال الصراع على أشدّه بين قوى النور والظلام، كما لا زالت موازين البشر تتراوح بين الاختلال والصلاح في تقديرهم لهذا الصراع.
كان الفلاسفة أنصار مذهب القوة يستنكرون الأخلاق على أساس من كونها بدعة اخترعها الضعفاء لتقييد قوة الأقوياء.
ومما يثير العجب أن هذا الميزان المختل هو عند الدهماء لا يختلف كثيراً عما هو عند أولئك الفلاسفة.
إن القوة لَمغرية ولو كانت غاشمة، وإن للشهرة بريقاً جذاباً ولو كانت زائفة.. في وعي الطغام.
يكفيك أن تظفر بواحد من أسباب القوة لتحظى برضا الجماهير مهما كانت سقطاتك الأخلاقية.
جاء في كليلة ودمنة: (ما من صفة هي للغني مدح إلا هي للفقير ذم، فإن كان جريئاً قيل متهوراً، وإن كان كريماً قيل مبذراً، وإن كان وقوراً قيل بليداً).
أحمد زويل قامة علمية سامقة لا يختلف في ذلك اثنان، ثم ماذا يكون؟
إنه يكون في رأي الطغام أن يمضي زويل إلى حيث يريد وهو لا يبالي بسلطة الأخلاق؛ إذ هي لا تساوي لديهم شيئاً ما دام زويل العالم الكبير الحائز على نوبل صاحب الشهرة العالمية الواسعة.
ربما كان الرجل شخصاً رائعاً نبيلاً كما يعرفه أولئك القريبون منه، لكن التاريخ لا يعنيه في الإنسان خلقاً ينطلق منه في مواقفه إلا بقدر اتصاله بالشؤون الإنسانية العامة.
ثم إن الحكم الأخلاقي لا يستند إلى ظواهر الأعمال وحدها كما يسبق إلى وهم الكثيرين، بل إن النوايا الكامنة وراءها هي حجر الزاوية في هذا الحكم، ليس يخفى أنّا مدفوعون في أعمالنا بوحي من المجد الشخصي، فلا ضير على الرجل أن يسعى إلى مجده وهو يعمل لغيره، لكنه يضير العظمة أن يكون قُصارى ذلك ولا يكون العطف على البشرية والإحساس بالإنسانية سائقه وحاديه في عمله.
هذا هو المقياس الصحيح في تقدير الأعمال والرجال على حد سواء، إذا شئنا أن نعطي الإنسانية قدرها التي تستحق، وإلا هبطنا بها إلى مستوى الآلات والعجماوات.
وبعد فأين نرى مكان زويل بين زمرة الخالدين؟
في مذهب القوة التي لا تعترف بسلطة الأخلاق، وفي عرف الدهماء قد شفعت لزويل قامته العلمية، فليس يؤثر شيءٌ في مكانته حتى وإن أعطى الشرعية لكيانٍ محتلّ غاصبّ بزيارته له مثل إسرائيل، ها هنا ليس على زويل أن يجتهد كثيراً في الرد على منتقديه، فيتعلل بعلة أوهى من بيت العنكبوت فيقول: إن العلم لا وطن له.
إن مكانة زويل لا مساس بها حتى وإن أيد الديكتاتورية وأشاح ببصره عما ترتكبه في مصر من الموبقات.
أما إذا نظرنا إليه من وجهة النظر الأخلاقية فلنا أن نتساءل: ماذا يبقى لزويل في سجل الخالدين؟
نحسب أنه القليل.. ونحن نذهب إلى هذا الرأي في ثقة واطمئنان، فإذا قال القائلون: أين أنت من إنجازاته العلمية وما تعود به من نفع على البشرية على مر الزمان؟
قلنا: نعم إنها إنجازات تستحق الثناء والإعجاب، أما تقدير الرجل ومكانته بين العظماء فليس ثمة خسارة تمنّى بها الإنسانية في صميمها إذا رجعنا في هذا التقدير إلى مقياس الطغام أو تلك الفلسفة التي تنظر إلى المسألة الأخلاقية بازدراء؛ لأن قوام الإنسانية الحقة هو الأخلاق قبل أن يكون العلم أو أي شيء آخر.
ومن الحسن أن نذكر أن العلم النافع هو العلم المحكوم بالمسألة الأخلاقية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.