في ذكرى ولادته.. ملامح النضال والمقاومة في حياة محمد بلحسن الوزاني

أيقونة المقاومة المغربية لرفض براثن الاستعمار والنضال المستميت من أجل الاستقلال والحرية، من أبرز رموز الحركة الوطنية، وأحد مؤسسي كتلة العمل الوطني

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/22 الساعة 06:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/22 الساعة 06:08 بتوقيت غرينتش

أيقونة المقاومة المغربية لرفض براثن الاستعمار والنضال المستميت من أجل الاستقلال والحرية، من أبرز رموز الحركة الوطنية، وأحد مؤسسي كتلة العمل الوطني سنة 1934، إلى جانب علال الفاسي وأحمد بلافريج، شارك في تأسيس جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين سنة 1927؛ ليصبح أميناً عاماً لها سنة 1928.

إنه الزعيم والرجل الوطني محمد بلحسن الوزاني، مؤسس حزب الشورى والاستقلال، من أعمدة رجالات الحركة الوطنية التي دافعت من موقعها السياسي والنضالي على قيم الديمقراطية والحرية، وبميوله القانوني، اختار الوزاني أن يشد رحاله للديار الفرنسية عام 1927 للحصول على شهادة البكالوريا، متشبعاً بالثقافة الفرنكوفونية.

بدايات النضال

وُلد في السابع عشر من شهر يناير/كانون الثاني سنة 1910 بفاس، ترعرع وسط أسرة محافظة، درس العلوم السياسية بباريس، وهناك شق مساره الصحفي والإعلامي من خلال احتكاكه بالصحافة الفرنكوفونية، فبدأ يكتب مقالاته لمجابهة استبداد المستعمر الفرنسي والإسباني.

كان الوزاني مُزعجاً بالنسبة للمستعمر الفرنسي، وذلك بسبب رصاصة قلمه التي كانت تفضحُ ممارساته الاستبدادية وطغيانه الاستعماري بالمغرب، وكتابته الصحفية وغير الصحفية جلبت عليه الويلات، خاصة كتاب "عاصفة على المغرب أو أخطاء سياسية بربرية"، بعدها أصبح الوزاني مرفوضاً بل ممنوعاً من دخول المغرب، واتجه نحو سويسرا وهناك التقى بالمفكر اللبناني شكيب أرسلان، فأصبح عضواً في هيئة تحرير مجلة "الأمة العربية" قبل أن يؤسس جريدة "عمل الشعب" سنة 1933، التي واجهت ضغط المستعمر إلى درجة تم منع صدورها في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول عام 1937.

شخصية قوية

منذ طفولته، تفرد محمد الوزاني بشخصية صلبة وقوية، فهو الذي رسم مساره وحيداً وأقنع والده وهو صغير السن بالالتحاق بمدرسة عصرية بحي اللمطيين بفاس، حتى يتمكن من تعلم اللغة الفرنسية، وكان الوزاني شخصاً واثقاً من نفسه وقد مكنته هذه القيمة من تقلده مسؤولية أمين عام لجمعية طلبة شمال والمسلمين سنة 1928.

وقوة شخصيته كذلك إضافة إلى تكوينه الأكاديمي وانخراطه في العمل السياسي، دفع الوزاني للانفتاح على شخصيات سياسية وفكرية، وتكوين صداقات مع شخصيات عربية كمصالي الحاج الذي كان رئيساً لجمعية نجمة شمال إفريقيا.

"عمل الشعب"

إن المسار السياسي لمحمد بلحسن الوزاني يبرز عمق التكوين الفرنكوفوني لديه، فقد مهَّد له هذا التكوين الطريق نحو الصحافة، كوسيلة لجعل القضية الوطنية في الواجهة، والتنديد باستبداد المستعمر الفرنسي وعدائه للمغاربة، والتعبير عن غضب الشعب المغربي وتذمره من انتهاكات الإقامة العامة.

ولما كان الوزاني في فرنسا، أسس بالتعاون مع روبيير جان لونكي، حفيد كارل ماركس، صحيفة "مغرب" التي كانت تفضح السياسة الاستعمارية الفرنسية.

"عمل الشعب" هي أول جريدة أصدرتها الحركة الوطنية، ومن خلالها أثار محمد بلحسن الوزاني هموم الشعب المغربي الذي تضرر بشكل فظيع من الاستعمار الفرنسي الغاشم، وبدأ يسهم بمقالاته الصحفية في محاربة المقيم العام، بلغة فرنسية بليغة تنم عن المستوى الثقافي للوزاني الذي آمن بالديمقراطية والحرية كقيمتين رئيسيتين للخلاص من الاستعمار.

"الشورى والاستقلال"

أسس الوزاني بعد انشقاق كتلة العمل الوطني، الحركة القومية، التي امتدت لتصير حزب الشورى والاستقلال وانعقد مؤتمره عام 1946 صامداً أمام المد الاستعماري الفرنسي المستبد الذي حاول خنق نفس الوطنيين ومنعهم من العمل السياسي والنضالي. قد شكَّل هذا التأسيس الحدث منعطفاً للحركة الوطنية المغربية.

هكذا كانت لمحمد الوزاني الشجاعة والجرأة لمواجهة كل مكونات الحماية الفرنسية، بإيمانه بحرية الشعب ودفاعه المستميت عنها وعن الدفع بالمغرب نحو الاستقلال.

رمز وطني

"هو الأستاذ والرائد الذي لا يمكن فهم أو تغيير تاريخ المغرب المعاصر بدونه"، هكذا قال عبد الصمد بلكبير المفكر المغربي عن محمد الوزاني.
وتمكن الوزاني ورفاقه من أدوات الغرب الحديثة والمدنية لمواجهة الغرب الاستعماري خاصة من خلال تأسيس الصحف والمجلات والمدارس الحرة والنقابات والجمعيات وتنظيم المحاضرات والندوات والاعتصامات المسلحة، والعناية الكاملة بتثقيف المرأة وتأطيرها ودمجها في الكفاح، يضيف بلكبير.

تمكن الوزاني من تأسيس العمل الوطني وتقديم دفتر المطالب المغربية لمطالبة فرنسا بالالتزام بما يقتضيه عقد الحماية على عينة من الإصلاحات لم تقُم بها، ومنذ ذلك استمر الكفاح لكي يكون سلمياً إلى حدود تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال سنة 1944.

الروح الوطنية

بعدما نفيت السلطات الفرنسية علال الفاسي إلى الغابون، وُضع محمد الوزاني تحت الإقامة الجبرية جنوب المغرب عام 1946، ورغم ذلك فإنه ظل مدافعاً عن قيم الوطنية، متشبثاً بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، كيف لا وهو الذي دافع بكلمته الحرة عن البعد الحقوقي للعمل السياسي النضالي بالمغرب، وقد قام بترجمة الميثاق الوطني لحقوق الإنسان بعد تأسيس حزب الشورى والاستقلال.

ولأن النضال لا يكتمل إلا بتبنّي قيم الديمقراطية في أي مشروع سياسي، فإن محمد الوزاني تميز بدفاعه عن النظام الملكي الديمقراطي من خلال مطالبته بالاستقلال، وهي الرؤية السياسية التي ميزت مشروعه السياسي، وقد كانت له القوة والشجاعة لذلك وهو الذي فقد يده اليمنى في حادث الصخيرات سنة 1971، ولكنه تمسك بهمومه، ولم يفقده الحادث الأمل، بل اعتمد على يده اليسرى التي ضخت مداد حروفه في مجموعة مقالات "حرب القلم" وأغاظ به الأعداء المستعمرين.

إنه الحسن الوزاني الذي كان قال: "الحرية تتعزز بقيام الدولة، فكما أن الحرية لها نطاق معقول لا تتعداه، فذلك للدولة حد معين لا تتجاوزه وإلا تكون مطلقة التصرف والمشيئة وهذا عين الاستبداد والاضطهاد"، فهو الصحفي الوطني الذي دافع عن الوطنية وقيم الديمقراطية وناهض من أجل استقلال المغرب، توفي سنة 1978 بعد تدهور صحته، وقد ترك وراءه تراثاً مهماً من المقالات والأبحاث الصحفية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد