الموت بالبحر أصبح عادياً بالمغرب العربي الكبير

أوهمونا أنه لو مات حكَّامنا ما عشنا، لكن نسوا، بل تناسوا أننا لو مُتنا ما وجدوا.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/22 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/22 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش

قوارب الموت، تلك الزوارق التي تحمل المهاجرين غير الشرعيين إلى جنة أحلامهم؛ أوروبا، تبكي العين، ويندى الجبين على حالة المواطن المسكين، الذي عانى من القهر والذل، عانى من تسلُّط السلطات، وتعنُّت الحياة، وعيشه على الفتات، رغم ما يحملونه من شهادات ودبلومات.

قد يظن البعض أن من يركب قارب الموت هو فقط الذي لم يدخل الجامعة، أو ذلك الذي ليس له مستوى يؤهله ليكون فعالاً في المجتمع، لكن ذلك ما أوهموكم به، ففي كل قارب موت تجد معلماً، وطبيباً، وقاضياً، وشرطياً، ومحامياً، ومجرماً.

الحبلى، والعانس، وحتى الأطفال الرضع، والشيوخ الركع، كلهم بئسوا من الحياة، فقرَّروا إما أن يكونوا طعماً للحوت بوسط البحار، أو يعبروا الضفة ليشقوا ويناموا في مزارع العنب تحت الأشجار، هذا قدرهم، وهاته حياتهم، لا لسبب سوى أنهم ولدوا بالمغرب أو الجزائر أو تونس.

ارتفع عدد المهاجرين السِّرِّيين، الذي ينطلقون من سواحل البحر الأبيض المتوسط صوب إسبانيا في الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، وبلغ 14800 "حراق"، مقارنة بعددهم خلال نفس الفترة من 2016، وهذا وفق تقرير أصدرته وكالة حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، "فرونتكس".

فماذا عساني أن أقول، ومكة أدرى بشعابها، ماذا لو اتحدت البلدان الثلاثة؟ ماذا لو فتحت حدودها؟ ماذا لو كانت تبادلات تجارية بينها، ماذا لو وحَّدوا عملتهم؟ ماذا لو وضعوا برلماناً مشتركاً؟ ماذا لو صاغوا قوانين جديدة تسري في البلدان الثلاثة؟ ماذا لو وحَّدوا جوازات سفرهم، ماذا لو….؟ تتعب الحروف عن التمني، ولكن لا يتعب العربي والأمازيغي عن هذا الحلم، حلم لو حدث لما هاجر سكان المغرب الكبير لِما وراء البحار.

والله، تالله، وبالله ما كتبت يوماً عن ظاهرة اجتماعية، بل كل كتاباتي كانت انتقادات علمية في شتى المجالات، لكن رؤية أُمِّ حراق تبكي الدم على غرق ابنها حزَّ في نفسي وأجبرتني مرغماً على كتابة هاته السطور، لعل وعسى أصل إلى بعض العقول، فتفهم أن الحرقة ليست حلاً، وأن الحل رفع التحدي، نعم سيقول بعض المتشائمين إنه لا مجال لذلك.

سأسألك وأجيب عن نفسي هل أنت مسلم؟ نعم أنا كذلك. هل تعلم معاناته صلى الله عليه وسلم من الاحتقار والظلم؟ نعم قرأت عن ذلك.

شكراً، إذاً دعني أذكّرك فإن الذكرى تنفع المؤمنين، عاش النبي يتيماً، ربَّاه عمّه، كان راعي غنم، كان أمياً، كان أميناً، أتاه الوحي فصار رسولاً، نبذه قومه، رموه وقذفوه بالقاذورات، رموا عليه أحشاء حيوانات وهو ساجد، كسرواً أسنانه، سحروه، وقاموا بطرحه الفراش، رغم ذلك لم يفقد الأمل، وواصل جاهداً كي يبلغ رسالته، لم يفعل ذلك بالعنف، بل بالتسامح، فحتى من قتل عمه، وأكلت كبده، سامحهما، عن هند ووحشي أتحدَّث.

أظنَّ أنَّ الوقت حان لننسى ماضينا، ونركِّز على حاضرنا ومستقبلنا، الوقت حان كي نعيد السكة لمسارها، لتنقذ أبناءنا من الغرق وسط البحار، ولننقذ أنفسنا وبلداننا من التخلف والتبعية والتِّيه.

أوهمونا أنه لو مات حكَّامنا ما عشنا، لكن نسوا، بل تناسوا أننا لو مُتنا ما وجدوا.

قفْ عن التفكير بالضفة الأخرى، واسعَ جاهداً لتحقيق أحلامك هنا، فالمبتغيات لا تبلغها بالأمنيات، بل بالعمل ورفع التحدي.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد