"نحن أمازيغ عربنا الإسلام.."، بهذه العبارة يُعرف الكثير من الجزائريين أنفسهم.. وهذا ليس من فراغ، فالأمازيغية من مقومات الهوية والشخصية الجزائرية والمغاربية.. فالأمازيغ أو البربر كما سماهم اليونان والإغريق كإشارة لمن لا ينتمي لمنظومتهم الحضارية هم سكان شمال إفريقيا الأصليون.
لا شك أن اعتماد رأس السنة الأمازيغية كعيد وطني وعطلة رسمية في الجزائر، وتكليف الحكومة الجزائرية باستعمال اللغة الأمازيغية، وإنشاء أكاديمية خاصة بتعليمها، حدث مهم جداً في الحياة الثقافية والسياسية في الجزائر، وأثلج صدور شرائح واسعة في المجتمع الجزائري، هذه القرارات التي تٌضاف إلى خطوات سبقت بترسيم اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في دستور البلاد إلى جانب اللغة العربية.
رغم ذلك يجب أن نشير إلى أن السلطات الجزائرية قد تأخرت كثيراً بخصوص إقرار هذه الحقوق، ودفعت البلاد ثمناً غالياً لهذا، تمثل في عدد الضحايا الذين قُتلوا أو أودعوا السجون، وفي بروز فصيل داخل الحركة الأمازيغية يدعو إلى الانفصال، ناهيك عن الكتابة الانتقائية للتاريخ الثقافي الجزائري.
وفي حين يرى البعض أن هذه الخطوات مناورة من السلطات الجزائرية لاستمالة شريحة شعبية، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فإن شريحة كبيرة من المفكرين والمثقفين الجزائريين يرون أن إقرار هذه الخطوات يُعد إنجازاً للحركة الأمازيغية في الجزائر، والأهم أنها تقوي اللحمة الوطنية وتجعل أخيراً من التنوع تجانساً وثراء.
لابد أن نشير ونؤكد أن الأمازيغية لا علاقة لها بأي مخطط أجنبي أو فرنسي يريد أن يضرب وحدة البلاد كما يروج لها البعض، بل إن من أسباب تهميش اللغة الأمازيغية في الجزائر هو تبني النموذج اليعقوبي الفرنسي في الدولة المركزية، حيث إن النموذج اليعقوبي الفرنسي لا يقر بالتنوع والتعدد، بل يعتمد لغة واحدة وثقافة واحدة، وتبني هذا النموذج والمقاربة من السلطات ما بعد استقلال الجزائر هو الذي أدى إلى محاولة فرض العروبة والإسلام فقط كهوية أحادية في الجزائر، وأعتقد أن الجزائر بالقرارات المحققة تنتقل من نموذج الدولة الوطني التقليدي المتمركز نحو نموذج تقدمي يستوعب التعددية وينفتح على كل أبناء الوطن. نموذج للدولة يستوعب التنوع ويدمجه عوض أن يقصي عناصره أو يتعامل معها بمحاولة خلق التجانس المطلق.
إن الجدل الشعبي الذي أحدثته القرارات الأخيرة للسلطات بخصوص الأمازيغية، إنما هو نتاج للسلطات المتعاقبة على حكم الجزائر التي حاولت تصوير مكونات الهوية الوطنية الثلاثة (العروبة، الأمازيغية، الإسلام) على أنها متعارضة، مما خلق في المجتمع شريحة شعبية ترى أن منح أي حقوق مستحقة لأحد المكونات هو انتقاص لحقوق الآخر ومؤامرة تُحاك ضده.
إن الأصل في العلاقة بين مكونات الهوية الوطنية الجزائرية (العربية الأمازيغية، الإسلام) هي علاقة تكاملية؛ لذلك فإن الصراع في الجزائر لا ينبغي أن يكون بين الأمازيغية والعربية، إنما يجب أن يكون الصراع بين التقدم والتخلف، بين الإقصائيين الذين يرون ضرورة أحادية الهوية الوطنية غير مبالين بتهميش الآخر، وبين من يبارك التعددية الثقافية واللغوية في الجزائر بعيداً عن النزعات الجهوية والعنصرية.
الجزائريون اليوم بصدد تدبير بيتهم الداخلي وبإرادتهم، لذلك علينا أن نبعد نظرية المؤامرة، وينبغي علينا تغيير مفهومنا للوحدة الوطنية، فالوحدة اليوم لم تعد قائمة على العنصر الواحد الاستبدادي، بل أصبحت تقوم على أساس التنوع، وتدبيره بعقلانية.
يبقى التحدي الآن أمام السلطات الجزائرية، هو توظيف كل الجهود لتطوير اللغة الأمازيغية، وتوحيد هذه اللغة كي ترتقي إلى لغة رسمية موحدة جامعة لكل الجزائريين، ذلك بالنظر إلى تشكيلها من 5 لهجات محلية هي: الشاوية، القبائلية، الشلحية، المزابية والتارقية؛ حيث يعمل باحثون جزائريون منذ سنوات لإنجاز قاموس جامع وموحّد للغة "تمازيغت" سيكون مرجعاً أساسياً في الاستخدامات العلمية والتعليمية، أما الجدل الذي يدور حول طريقة كتابتها فيجب علينا أن لا نضخم المسألة، وأن نترك الموضوع لعلماء اللغة الذين يملكون وحدهم مسؤولية القرار.
وأخيرا يجب أن نؤكد أن الأمازيغية لم تكن في الماضي ولن تكون في المستقبل حجر عثرة أمام وحدة الجزائريين، أمام وحدة شمال إفريقيا، بل إن الأمازيغية مقوم أساسي في تحقيق وحدة شمال إفريقيا قاطبة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.